الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قبل أن نبدأ بالقراءة أحب أن أنبه إلى أن هذا عنوان لمسألة جديدة وهي مسألة العلو والفوقية والاستواء، جمعها الشيخ الصابوني في موضع واحد، وذلك لاقتران هذه الأمور بعضها ببعض، فالاستواء يدل على العلو والفوقية، وكذلك العلو والفوقية تضمنت معنى الاستواء، بمعنى: أن أدلة الاستواء تدل على العلو والفوقية، وكذلك أدلة العلو والفوقية تؤيد أدلة الاستواء فهو هنا يقرر العلو والفوقية والاستواء لما بينهما من الاقتران، ولذلك الذين أولوا الاستواء اضطروا إلى تأويل الفوقية والعلو، وكذلك العكس أيضاً، فالذين أولوا العلو والفوقية اضطروا إلى تأويل الاستواء، وإن كانت مسألة الاستواء هي أول ما بدأ المعطلة فيها، بمعنى: أن تعطيل الاستواء كان قبل الكلام في العلو والفوقية، خاصة عند المتكلمين الذين ورثوا الجهمية والمعتزلة، فإنهم تجرءوا على تأويل الاستواء قبل جرأتهم على إنكار العلو والفوقية لله عز وجل، أي: بذاته سبحانه، وكذلك الجهمية كانت الشرارة الأولى لإنكار العلو عندهم بدأت بإنكار الاستواء، فهي متلازمة؛ لأن من أثبت العلو والفوقية جاز أن يثبت في مبدئه الاستواء ما دام ثبت فيه النص، وكذلك العكس من أثبت الاستواء لله عز وجل كما يليق بجلاله لزمه بالضرورة إثبات العلو والفوقية لله تعالى بذاته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سماوات على عرشه كما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، وقوله في سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس:3]، وقوله في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2]، وقوله في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]، وقوله في سورة السجدة: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:4]، وقوله في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]].
هنا قرر المصنف أدلة الاستواء أولاً؛ لأنها أدلة قاطعة في إثبات الاستواء لله عز وجل بذاته على ما يليق بجلاله، ثم إنها مستلزمة للدلالة على العلو، وكذلك سيبدأ الآن بعد قليل في المقطع التالي في إثبات أدلة العلو؛ لأنها عاضدة لأدلة الاستواء؛ فأدلة العلو تعضد أدلة الاستواء، بينما أدلة الاستواء تستلزم إثبات العلو.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36 - 37]، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه السلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:37] يعني: في قوله: إن في السماء إلهاً.
وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته].
أيضاً في كلام فرعون الذي ذكره الله عز وجل وفي محاولته الرقي في السماء فيه دلالة على أن مسألة العلو مسألة فطرية، وأن فرعون نظراً لأنه في الباطن مستيقن ببعض الأمور الفطرية بما فيها علو الله عز وجل، ففرعون طلب من هامان أن يبني له صرحاً، فلو لم يكن عنده شيء من المعرفة الفطرية بأن الله في السماء مع ورود ذلك على لسان موسى لما كلّف نفسه وأخذ هذا الأمر بجد، لكن عنده نزعة فطرية للاعتراف بأنه إن كان هناك إله لموسى فإنه سيكون في السماء، هذه تدل عليها الآية، والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على عرشه، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله].
في هذه العبارات شيء من الترادف وشيء من الخلاف أيضاً؛ لأن هذه العبارات في الحقيقة عبارات موجزة في سطرين لكنها ترمز إلى قواعد، فقوله: (يثبتون من ذلك ما أثبته الله لنفسه)، يعني بذلك: أن الأصل في كل ما ورد عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في أسماء الله وصفاته وأفعاله إثبات ما أثبته الله لنفسه، ليس للناس في ذلك دخل، وليس لعقول الناس تدخل في هذا الأمر، هذه القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية: قال: (ويؤمنون به