- الْغَرِيب درب الْقلَّة مَوضِع بِبِلَاد الرّوم والكمد الْحزن الْمَعْنى يَقُول لقِيت بِهَذَا الْموضع الْفجْر لقية على حَال من الْبَهْجَة وسبيل من الْغِبْطَة شفت حزني بتطاول اللَّيْل وأظهرتني عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ عَنهُ وَهُوَ كالقتيل الَّذِي نقضت مدَّته وَسَقَطت عَمَّن يحذرهُ مُؤْنَته قَالَ أَبُو الْفَتْح سَأَلته عَن مَعْنَاهُ فَقَالَ وافينا الْقلَّة وَقت السحر فَكَأَنِّي لقِيت بهَا الْفجْر ثمَّ سرنا صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم إِلَى الْعَصْر أَرْبَعِينَ ميلًا وشننا الغارات وغنمنا وشفيت كمدى لانحسار اللَّيْل عني وَاللَّيْل قَتِيل فِي ذَلِك الْموضع فَكَأَن النَّهَار لما أشرق بضوئه على اللَّيْل قَتله وظفر بِهِ وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى بَعضهم فكشفه بقوله
(وَلَّما رأيتُ الصًّبحَ قَدْ سَلَّ سَيْفَهُ ... وَوَلَّى انْهِزَاما لَيْلُهُ وكَوَاكِبُهُ)
(وَلاحَ احْمِرارٌ قُلْتُ قَدْ ذُبِحَ الدُّجَى ... وَهَذا دَمٌ قدْ ضَمَّخَ الأرْضَ ساكِبُهْ)
الْإِعْرَاب نصب يَوْمًا عطفا على مَعْمُول لقِيت الْمَعْنى يُخَاطب محبوبته وَيَقُول لقِيت بِهَذَا الْموضع يَوْمًا على هَذِه اللَّيْلَة تناهت بهجته وراق منظره حَتَّى كَأَن حسنه عَلامَة توجهينها وَكَأن الشَّمْس فِيهِ رَسُول مِنْك وَقَالَ أَبُو الْفَتْح لما ثار الْغُبَار ستر الشَّمْس فَكَأَنَّهَا رَسُول من محبوبته مستخف وَهَذَا الْمَعْنى من أحسن الْكَلَام قَالَ وَفِي مَعْنَاهُ قَول الآخر
(إذَا طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهارِ فإنَّها ... أمارَةُ تَسْلِيمي عَلَيْكِ فَسلِّمي)
12 - الْغَرِيب آثَار افتعل من الثأر وَأَصله الْهَمْز والذحول جمع ذحل وَهُوَ الحقد والعداوة الْمَعْنى قَالَ الواحدي قَالَ ابْن جنى لَوْلَا سيف الدولة مَا وصلت إِلَى درب الْقلَّة حَتَّى شفيت نَفسِي من اللَّيْل بملاقاة الْفجْر قَالَ ابْن فورجة هَذِه الأبيات من محَاسِن هَذِه القصيدة وَإِذا توبع فِيهَا أَبُو الْفَتْح ضَاعَت وَبَطلَت أفترى أَبَا الطّيب لَوْلَا سيف الدولة لما أصبح ليله وَلما لقى الْفجْر وَلَو لم يصل إِلَى درب الْقلَّة لما شفي عشقه فَأَي قائدة للعاشق فِي الْوُصُول إِلَى درب الْقلَّة وَقد خلط أَبُو الطّيب فِي هَذِه الأبيات تشبيبا بتقريظ وغرضه أَن يصف يَوْم ظفر سيف الدولة بالْحسنِ وَالطّيب وَيذكر سوء صَنِيع اللَّيْل عِنْده فِيمَا مضى وَأَرَادَ بقوله وَاللَّيْل فِيهِ قَتِيل