الْمَعْنى يَقُول لَيْت مَا مدح بِهِ من الشّعْر يَسْتَوْفِي بعض مناقبه وَيَأْتِي على ذكر مكارمه فَمَا كُلَيْب وَسَائِر الْمُلُوك الْأَوَّلين عِنْد مَا خلده من الْفَخر وأبقاه من المكارم على وَجه الدَّهْر
24 - الْمَعْنى يُخَاطب نَفسه وَيَقُول امدحه بِمَا تشاهده من فَضله وتراه من مجده ودع عَنْك شَيْئا سَمِعت بِهِ وَلم تشهده وأخبرت عَنهُ وَلم تبصره ففضل سيف الدولة على الْمُلُوك كفضل الشَّمْس على سَائِر النُّجُوم وَفِيه مَا يُغني عَنْهُم وَهُوَ أكْرم مِنْهُم كَمَا أَن الشَّمْس تغنى عَن زحل وَهَذَا من قَول الْحَكِيم العيان شَاهد لنَفسِهِ والإخبار يدْخل عَلَيْهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَأولى مَا أَخذ مَا كَانَ دَلِيلا على نَفسه وَالْمعْنَى فِيمَا قرب مِنْك عوض عَمَّا بعد عَنْك لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْقرب أفضل من الْبعد وَالْمعْنَى يَقُول قد وجدت فِي الممدوح وَمَا يبديه من فَضله ويتتابع من مجده مَكَانا لِلْقَوْلِ ومجالا وَاسِعًا للوصف فَإِن كنت ذَا لِسَان قَائِل فحسبك وصف فضائله وَذكر مَا خلده من مكارمه وَنسب القَوْل إِلَى اللِّسَان لِأَن القَوْل بِهِ يكون كَمَا جَاءَ فِي الْمثل يداك أوكتا وفوك نفخ فنسب الْفِعْل إِلَى الْجَوَارِح لِأَنَّهَا آلَات لَهُ
26 - الْغَرِيب الْهمام هُوَ الشجاع ذُو الهمة الْعَالِيَة وخيرة تَأْنِيث خبر قَالَ الله تَعَالَى {فِيهِنَّ خيرات حسان} الْوَاحِدَة خيرة والدول جمع دولة الْمَعْنى يَقُول إِن هَذَا الْهمام الَّذِي يفخر بِهِ الفاخرون ويلهج بِذكرِهِ الذاكرون خير السيوف المسلولة بكف خيرة الدول الْمَعْلُومَة يَعْنِي دولة الْخلَافَة لِأَنَّهَا رَأس الْإِسْلَام وعموده وذروة سنامه
27 - الْغَرِيب الْأَمَانِي جمع أُمْنِية الْمَعْنى يَقُول لَا تصل الْأَمَانِي إِلَى قلبه فتستميله وَلَا إِلَى لِسَانه فتجري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج أَن يتَمَنَّى شَيْئا فَلَا يرى نفيسا إِلَّا وَله خير مِنْهُ أَو صَار لَهُ ذَلِك الشَّيْء فالأماني تقصر عَن بُلُوغ قدره وتصغر عِنْد جلالة أمره وتمسى صرعى دون إِدْرَاك مجده فَمَا يتَمَنَّى فِي الرّفْعَة أَكثر مِمَّا قد بلغه وَلَا يحاول فِي الْفضل مَا يزِيد على مَا يَفْعَله وَقد فسر بِهَذَا الْبَيْت مَا أغلقه البحتري بقوله
(وَمُظَفَّرٌ بالمَجْدِ إدْرَاكاتُهُ ... فِي الْحَظّ زَائِدَةٌ عَلى أوْطارِهِ)