(وكائنْ ذَعَرْنا مِنْ مَهاةٍ وَرَامحٍ ... بِلادُ الْوَرَى لَيْسَتْ لَهُ بِبِلادِ)
وتنجل تَلد الْمَعْنى يَقُول لما وَلدتك أمك وَهِي الشَّمْس فِي رفعتها وَعظم قدرهَا وجلالة أمرهَا استعظم النَّاس أَن يلد مثلهَا وَمن سَار فِي عظم منزلهَا نَسْلًا فَكيف بك وأمك الشَّمْس جلالة ورفعة وَأَبُوك الْأسد صرامة وَشدَّة وَقَالَ الواحدي لما وَلدتك أمك كنت شمسا فِي رفْعَة الْمحل ونباهة الذّكر فَقَالَ النَّاس ألم تكن الشَّمْس لَا تولد فَكيف ولدت هَذِه الْمَرْأَة شمسا وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول الأول
(لَأُمٌّ لَكُمٍ نَجَلَتْ مالِكا ... مِنَ الشَّمْسِ لَوْ نَجَلَتْ أكْرَمُ)
والنجل النَّسْل ونجله أَبوهُ وَلَده يُقَال قبح الله ناجليه أَي وَالِديهِ
27 - الْغَرِيب نصب تَبًّا على الْمصدر يُقَال تب تَبًّا وَمن فِي مَوضِع جر عطفا على مَا قبله وَالْجُمْلَة لَا مَوضِع لَهَا صلته الْغَرِيب التب الْهَلَاك والخسار وَمِنْه {تبت يدا أبي لَهب} أَي هَلَكت وخسرت الْمَعْنى يَقُول ضلالا وخسارا لعبدة النُّجُوم الَّذين يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا عَاقِلَة وَالْمعْنَى أهلك الله أَصْحَاب النُّجُوم والمصدقين بهَا وعبيدها المعظمين لَهَا وَأبْعد الله الْقَائِلين إِنَّهَا عَاقِلَة مُمَيزَة وعالمة مُدبرَة ثمَّ بَين الْعلَّة بعد فَقَالَ
28 - الْمَعْنى يَقُول من زعم أَن النُّجُوم عَاقِلَة وَقد عرفتك فَمَا بالها لَا تنزل إِلَى خدمتك وَهِي تراك ترَاهَا فَلم لَا تنزل خاضعة لَك وتنحط من أماكنها متواضعة عَنْك وَهِي فِي الْحَقِيقَة لَا تبلغ رُتْبَة فضلك وَلَا تقَارب جلالة قدرك فَلَو كَانَت تعقل كَمَا زعم قوم لنزلت حَتَّى تعلو عَلَيْهَا بِحَسب استحقاقك لعلمها أَن محلك فَوق محلهَا لَكِنَّهَا لَا تعقل
29 - الْمَعْنى يَقُول لَو بتما وَمَوْضِع كل وَاحِد مِنْكُمَا على حسب فَضله ومكانه حَيْثُ يسْتَحق بِقَدرِهِ لبت فِي مَوَاضِع النُّجُوم وباتت فِي موضعك تعلوها وتسفل مِنْك وتسبقها وتتواضع عَنْك لشرف قدرك على قدرهَا
30 - الْغَرِيب الْعباد أَكثر مَا تسْتَعْمل مُضَافَة إِلَى الله وَالْعَبِيد للنَّاس والعباد مُخْتَصّ بالخالق وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ شَاهدا لهَذَا
(أتُوعِدُنِي بقَوْمِكَ يابنَحَجْل ... أشابات يَخالُونَ الْعِبَادَا)
الْمَعْنى قَالَ الواحدي قَالَ ابْن جنى مننت على عِبَادك بَان حللث بَينهم وَالْكَوَاكِب تَأمل ذَلِك فَلَا تقدر عَلَيْهِ وَهَذَا معنى بعيد وَتَأْويل فَاسد وَالَّذِي أَرَادَهُ أَبُو الطّيب أَعْطَيْت عبيدك يَعْنِي النَّاس جعلهم عبيدا لَهُ لِأَنَّهُ ملك مارجوه من عطائه ثمَّ دَعَا لَهُ بباقي الْبَيْت أَن يُكَافِئهُ الله بِمثل فعله فينيله مَا يؤمله هَذَا هُوَ الْمَعْنى فَأَما الْحُلُول بَين النَّاس فبعيداه وَالْمعْنَى أنلتهم مَا أَملوهُ من فضلك وحققت رجاءهم فِيمَا استدعوه من كرمك أنالك رَبك مَا تَأمله وأيدك على مَا تقصده وتكفل لَك بتقريب مَا تريده وَلما أطلق على النَّاس لفظ الْعُبُودِيَّة لَهُ عطف عَلَيْهِ من آخر الْبَيْت فَجعله مربوبا مثلهم حذقا مِنْهُ وصنعة