وغض الطّرف كَسره وخفضه والإجلال مصدر أَجله الْمَعْنى يُرِيد أَن النَّهَار وَهُوَ عين الشَّمْس غطاها الْغُبَار فَصَارَ كالقذى فِيهَا أَو كَأَن النَّهَار خفض طرفه إجلالا لَهُ وَالْمعْنَى أَن العجاج غلب ضوء الشَّمْس وغطاه بتكاثفه فَكَأَنَّهُ قذى بالغبار أَو خفض طرفه إجلالا للممدوح الْمُخْتَار

37 - الْغَرِيب الْقلب قلب الْجَيْش وَهُوَ وَسطه وَكَذَا يَمِينه وشماله مَا يكون من الْجمع فيهمَا الْمَعْنى يَقُول الْجَيْش فِي الْحَقِيقَة جيشك وكل جَيش سواهُ فَلَيْسَ بِجَيْش وَهُوَ جيشك يمتثل أَمرك ويتصرف على رَأْيك وَأَنت فِي الْحَقِيقَة جَيْشه لِأَنَّهُ يتشجع بشجاعتك وَيقدم بإقدامك وتهابه الشجعان من أَجلك فَهَذِهِ حَاله فِي قلبه وَيَمِينه وشماله وَإِذا امْتنع الْمُلُوك بجيوشهم فَأَنت تمنع جيشك وَإِذا احتموا بجموعهم فَأَنت تحمى جمعك

38 - الْإِعْرَاب الضميران فِي فرسانه وأبطاله يعودان على الْجَيْش الْمَعْنى يُرِيد بِهَذَا أَنه يُفَسر مَا قَالَ أَولا فَيَقُول أَنْت جَيْشه ترد الطعان المر قبلهم وتسبق إِلَى مبارزة الْأَبْطَال دونهم فتصلى حره فَأَنت فِي نَفسك وَحدهَا جَيش وَفِيه نظر إِلَى قَول حبيب

(لوْ لمْ يَقُدْ جَحْفلاً يوْمَ الوَغَى لغَداً ... مِنْ نَفْسِهِ وَحْدَها فِي جَحْفَلٍ لَجِبِ)

39 - الْمَعْنى يُرِيد أَن الْمُلُوك سواك يطْلبُونَ عَسْكَرهمْ وجنودهم ليدفعوا عَنْهُم ويجمعونهم على أعدائهم ليسلموا وَأَنت تُرِيدُ رجالك أَن يبقوا ويسلموا وتدافع عَنْهُم وَهَذَا غَايَة الْكَرم والشجاعة وَقد بنى الْبَيْت على حِكَايَة تذكر عَن سيف الدولة مَعَ الإخشيد وَذَلِكَ أَنه جمع جَيْشًا عَظِيما وأتى إِلَيْهِ ليتغلب فَوجه إِلَيْهِ سيف الدولة يَقُول لَهُ قد جمعت هَذَا الْجَيْش وَجئْت إِلَى بلادي ابرز إِلَى وَلَا تقتل النَّاس بيني وَبَيْنك فأينا غلب أَخذ الْبِلَاد وَملك أَهلهَا فَوجه إِلَى سيف الدولة يَقُول مَا رَأَيْت أعجب مِنْك إِنَّمَا جمعت هَذَا الْجَيْش الْعَظِيم لأقي بِهِ نَفسِي أفتريد أَن أبارزك إِن هَذَا لجهل وَقد روى مثل هَذَا عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه بعث إِلَى مُعَاوِيَة وهما بصفين قد فنى النَّاس بيني وَبَيْنك فابرز إِلَى فأينا قتل صَاحبه ملك النَّاس فَقَالَ عَمْرو لمعاوية قد قَالَ لَك حَقًا وأتاك بالإنصاف فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو أعلمت أَن عليا برز إِلَيْهِ أحد فَرجع سالما وَالله لَا برز إِلَيْهِ سواك فَحَمله حَتَّى برز إِلَى عَليّ فَلَمَّا تقاربا كشف عَن سوأته فَتَركه عَليّ وَرجع إِلَى أَصْحَابه بِغَيْر قتال فأنشدوا فِي الْمَعْنى

(وَلا خَيَر فِي دَفْعِ الرَّدَى بِمَذَلَّةٍ ... كَمَا رَدَّها يَوْما بسَوْءتِهِ عَمْرُو)

40 - الْمَعْنى يَقُول دون حلاوة الظفر وَلَذَّة بُلُوغ الأمل مرَارَة من الْغرَر ومشقة من الْخطر لَا تتجاوز تِلْكَ المرارة إِلَّا بمقارعة أهوال الزَّمَان وشدتها والتعرض لمحنها وصعوبتها وَضرب هَذَا مثلا لما قدمه وَقَوله على أهواله يتَضَمَّن معنى الرّكُوب وَالْمعْنَى تركب إِلَى الْحَلَاوَة أهوال الزَّمَان للوصول إِلَيْهَا كَمَا يُقَال لَا تَنْقَطِع الفلاة إِلَّا على الْإِبِل وَلَا يتَوَصَّل إِلَى حلاوة الزَّمَان إِلَّا بعد ذوق مرارته

41 - الْغَرِيب جاوزها قطعهَا وَعلي هُوَ سيف الدولة إسمه عَليّ والمنصل السَّيْف الْمَعْنى يَقُول لهَذَا انْفَرد عَليّ وَحده بِجَوَاز تِلْكَ المرارة وسعى بِسَيْفِهِ إِلَى تِلْكَ الصعوبة وَقدر بِسَيْفِهِ على اتِّصَاله إِلَى بُلُوغ آماله فَإِذا طلب شَيْئا أدْركهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015