- الْمَعْنى يَقُول نصيب الْإِنْسَان من وصال حَبِيبه فِي حَيَاته كنصيبه من وصال خياله فِي مَنَامه بِاتِّفَاق الْأَمريْنِ فِي سرعَة انقطاعهما واشتباههما فِي عجلة زوالهما فَإِن الْحَالين كِلَاهُمَا يعْدم فَمَا ظَنك بِحَق يشبه الْبَاطِل ويقظة يشاكلها النّوم فَجعل الْعُمر كالمنام وَالْمَوْت كالانتباه وَأحسن مَا قيل فِي هَذَا الْمَعْنى قَول التهامي
(فالعَيْشُ نَوْمٌ والمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ ... والمَرْءُ بَيْنَهُما خَيالٌ سارِي)
وَقَالَ الطَّائِي
(ثُمَّ انْقَضَتْ تلكَ السِّنُونَ وأهْلُها ... فكأنَّها وكأنَّهُم أحْلامُ)
وَقد أَكثر الشُّعَرَاء فِي هَذَا الْمَعْنى فَمِنْهُ مَا كَانَ عمر بن الْخطاب يتَمَثَّل بِهِ
(نُسَرُّ بِما يَفْنَى وَنفْرَحُ بالمُنَى ... كَمَا سُرَّ باللَّذاتِ فِي النَّوْمِ حالِمُ)
وَقَالَ الآخر
(وَإذا وَدِدْتَ أَبَا كُبَيْشةَ لم يَكُن ... إلاَّ كَلَمْحَةِ حالِمٍ بِخَيالِ)
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَة
(فَكَمْ بادَ مِنْ مَعْشَرٍ أصْبَحُوا ... كأنَّهُمْ حُلُمٌ أوْ خَيالُ)
وَقَالَ ابْن طَبَاطَبَا
(فَنِلْتُ يَقْظانَ مِنْ ضِيافَتِهِ ... مَا نِلْتُهُ نَائِما مِنَ الطَّيْفِ)
5 - الْغَرِيب الارزاء جمع رزء وهى المصيبات والغشاء مَا يعْطى الشَّيْء ويشمله الْمَعْنى يَقُول كثرت مصائب الدَّهْر عِنْدِي لتواليها عَليّ وَقد أَصَابَت قلبِي فجائعها حَتَّى صَار كَأَنَّهُ فِي غشاء من سِهَام الدَّهْر وَالْمعْنَى أَن الدَّهْر قَصده بفجائعه ورماه بمصائبه وَاعْتمد فُؤَاده بسهامه وَأثبت فِيهِ نصاله قَالَ الشريف هبة الله بن الشجري الْعلوِي فِي أَمَالِيهِ هَذَا الْبَيْت من أحسن مَا قيل وَهُوَ من نَوَادِر أَبى الطّيب وَحكمه
6 - الْغَرِيب النصال جمع نصل وَهُوَ الحديدة الَّتِي فِي السهْم الْمَعْنى يَقُول قد صرت إِذا رماني الدَّهْر بخطب من خطوبه وَصرف من صروفه لم يصل قلبِي لِأَنَّهَا لم تَجِد موضعا للإصابة وكنآ بنصال السهْم عَن اشتداد الخطوب وَأَن بَعْضهَا يكسر بَعْضًا فِي فُؤَاده لتزاحمها فِيهِ وتكاثرها عَلَيْهِ وَالْمعْنَى أَن المصائب توالت عَليّ فهانت عِنْدِي وَالْإِنْسَان إِذا كثر عَلَيْهِ الشَّيْء إعتاده وَقَالَ ابْن وَكِيع لَا يَصح معنى هَذَا الْبَيْت إِلَّا أَن يكون يرْمى من جَنْبَيْهِ فَيبلغ نصل الْجَانِب الْأَيْمن نصل الْجَانِب الْأَيْسَر وَأما أَن يكون الرَّمْي من نَاحيَة وَاحِدَة فَلَا يَصح ذَلِك وَلَو قَالَ كَمَا قَالَ عمر بن الْمُبَارك لصَحَّ
(لَمْ يَنْتَظِرَنْ فَتَسْتَبِيكَ قُلُوبُ ... حَتَّى رَمَيْنَ فَرَشْقُهُنَّ مُصِيبُ)
(نُجْلٌ يُتَبِّعْنَ السَّهامَ بِمِثْلِها ... فَلَهُنَّ مِن تحتِ النُّدوبِ نُدُبُ)
فَهَذَا كَلَام يَصح مثله لِأَن الندوب الْقَدِيمَة يتبعن ندوبا حَدِيثَة وَمثله لأخي ذِي الرمة
(وَلْم يُنْسِى أوْ فَي المَصَائِبِ بَعْدَهُ ... وَلكنَّ نَكْءَ القُرْحِ بالقُرْحِ أوْجَعُ)