- الْإِعْرَاب مَا تنطقى مَصْدَرِيَّة وَالضَّمِير فى تحرق عَائِد على نَار الْهوى وَعَما تحرق مُتَعَلق بتكل ومعمول تنطفى مَحْذُوف على رأى الْبَصرِيين فى إِعْمَال ثانى الْفِعْلَيْنِ كَقَوْلِك رضيت وصفحت عَن زيد فحذفت مَعْمُول الأول لدلَالَة الثانى عَلَيْهِ وحجتهم أَن الثانى أقرب إِلَى الْمَعْمُول وَاخْتَارَ الْكُوفِيُّونَ إِعْمَال الأول لِأَنَّهُ أسبق فى الذّكر وَقد جَاءَ فى الْكتاب الْعَزِيز إِعْمَال الثانى فَهُوَ دَلِيل للبصرى وَجَاء فى أشعار الْعَرَب إِعْمَال الأول ففى الْقُرْآن {آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطرا} {هاؤم اقْرَءُوا كِتَابيه} وفى الْبَيْت محذوفان هَذَا الذى ذَكرْنَاهُ والثانى حذف الْعَائِد إِلَى مَا الثَّانِيَة من صلتها وَفِيه حذفان آخرَانِ تقديرهما جربت من قُوَّة نَار الْهوى انطفاء نَار الغضى وكلو لَهَا عَن إحراق مَا تحرقه نَار الْهوى الْغَرِيب الغضى شجر عَظِيم تستعمله الْعَرَب فى وقيدها وناره قَوِيَّة تبقى أَزِيد من غَيرهَا الْمَعْنى يَقُول جربت من نَارا الْهوى تكل الغضى عَمَّا تحرقه هَذِه النَّار وتنطفى عَنهُ فَلَا تحرقه وَالْمعْنَى أَن نَار الْهوى أَشد إحراقا من نَار الغضى وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول الآخر
(لَوْ كانَ قَلْبِى فِى نارٍ لأَحْرَقَها ... لأَنَّ إحْرَاقَهُ أذْكَى مِنَ النَّارِ)
5 - الْمَعْنى قَالَ الواحدى ذهب قوم فى هَذَا الْبَيْت إِلَى أَنه من المقلوب على تَقْدِير كَيفَ لَا يَمُوت من يعشق يُرِيد أَن الْعِشْق يُوجب الْمَوْت لِشِدَّتِهِ وَأَنه يتعجب مِمَّن يعشق كَيفَ لَا يَمُوت وَإِنَّمَا يحمل على الْقلب مَا لَا يظْهر الْمَعْنى دونه وَهَذَا ظَاهر الْمَعْنى من غير قلب وَهُوَ أَنه يعظم أَمر الْعِشْق ويجعله غَايَة فى الشدَّة يَقُول كَيفَ يكون موت من غير عشق أى من لَا يعشق يجب أَن لَا يَمُوت لِأَنَّهُ لَا يقاسى مَا يُوجب الْمَوْت وَإِنَّمَا بوجبه الْعِشْق وَقَالَ بعض من فسر هَذَا الْبَيْت لما كَانَ المتقرر فى النُّفُوس أَن الْمَوْت فى أَعلَى مَرَاتِب الشدَّة قَالَ لما ذقت الْعِشْق وَعرفت شدته عجبت كَيفَ يكون هَذَا الْأَمر الْمُتَّفق على شدته غير الْعِشْق
6 - الْمَعْنى يَقُول عذرت العشاق ولمتهم قبل وقوعى فِيهِ وابتلائى بِهِ فَلَمَّا ابْتليت بالعشق وَلَقِيت فِيهِ من الشدَّة والأهوال مَا لقى العشاق حِينَئِذٍ رجعت إِلَى نفسى وَعرفت أَنى مذنب مُخطئ فى لومهم فعذرتهم لما ذقت مرارته وشدته وَمَا فِيهِ من أَصْنَاف الْبلَاء وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول على بن الجهم
(وَقَدْ كُنْتُ بالعُشَّاقِ أهْزأُ مَرَّةً ... وَها أَنا بالعُشَّاقِ أصْبَحْتُ باكيا)
وَمن قَول أَبى الشيص
(وكنتُ إذَا رأيْتُ فَتًى يُبَكِّى ... عَلى شَجًنٍ هَزَأْتُ إذَا خَلَوْتُ)
(وأحْسَبُنِى أدَالَ اللهُ مِنِّى ... فَصِرْتُ إذَا بَصُرْتُ بِهِ بَكَيْتُ)