- الْمَعْنى يَقُول لقد أقدموا وتشجعوا فى تِلْكَ الْحَرْب لَو صادفوا غير آخذ لَهُم مقتدر على الْإِيقَاع بهم وهربوا جاهدين لَو صادفوا من لَا يلحقهم جيوشه ويقحم فى آثَارهم جموعه يُرِيد أَنهم لم يؤتوا من ضعف فى حربهم وَلَا من تَقْصِير فى هَرَبهمْ وَلَكنهُمْ رَأَوْا من لَا يواقف فى حَرْب وَلَا يمْتَنع مِنْهُ بهرب وَالْمعْنَى مَا نفعهم الْإِقْدَام وَلَا الْهَرَب
17 - الْغَرِيب كَعْبًا يُرِيد أَوْلَاد كَعْب بن ربيعَة والسنان الرمْح الْمَعْنى يُرِيد أَنه انْعمْ عَلَيْهِم فكساهم ثِيَاب نعْمَة فَلم يشكروها فسلبهم إِيَّاهَا بالإغارة فَلَمَّا جَحَدُوا تِلْكَ المنن وَكَفرُوا تِلْكَ النعم رمى كل ثوب بخارق خرقها من أسنته وهاتك هتكها من عُقُوبَته
18 - الْغَرِيب البوارق جمع بارق وَسَقَى وأسقى لُغَتَانِ فصيحتان نطق بهما الْقُرْآن الْمَعْنى يَقُول لما سقاهم الْغَيْث من جوده الذى أخصبت بِهِ مَنَازِلهمْ وتروضت بسقياه مواضعهم فقابلوا ذَلِك بالْكفْر وتلقوه بقلة الشُّكْر أرسل عَلَيْهِم من جيوشه غير ذَلِك الْغَيْث فبرقت عَلَيْهِم السيوف وهطلت عَلَيْهِم الحتوف وعادت البوارق الَّتِى كَانَت تقدم عَلَيْهِم نعْمَة بوارق سلَاح أمْطرت عَلَيْهِم نقمه واستعار الْبَرْق للنعمة والنقمة وَهُوَ من قَول البحترى
(لقدْ نَشأتْ بالشَّامِ مِنْكَ سَحَابَةٌ ... تُؤَمَّلُ جَدْوَاها ويُخْشَى دَمارُها)
(فإنْ سأَلُوا كانَتْ غَمامَةَ وَابِلٍ ... وَغَيْثا وَإلاَّ فالدَّمارُ قِطارُها)
19 - الْمَعْنى يُرِيد أَن إساءته إِلَيْهِم أوجع لَهُم من إساءة غَيره لأَنهم تعودوا إحسانه فَإِذا قطعه عَنْهُم أوجع ذَلِك فَهُوَ يَقُول موبخا لبنى كَعْب لما حرمت أَنْفسهَا من فضل سيف الدولة الذى كَانَ عِنْدهم عَادَة دائمة ونعمة سابغة وَمَا يوجع الحرمان مِمَّن لَا يرتقب فَضله وَلَا يؤلم الْمَنْع مِمَّن لَا يؤمل بذله كَمَا يوجع ذَلِك مِمَّن قد أنست النُّفُوس إِلَى كريم عوائده وسكنت الْقُلُوب إِلَى جميل عواطفه يُرِيد أَنهم كَانُوا أصدقاء فحرموا فَضله ورفده
20 - الْإِعْرَاب الضَّمِير فى بهَا للخيل وَلم يجر لَهَا ذكر لِأَنَّهُ ذكر الْجَيْش فَدلَّ على الْخَيل وَالْعرب تأتى بضمير الشئ من غير ذكر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فأثرن بِهِ نقعا فوسطن بِهِ جمعا} أى بالوادى وَلم يجر لَهُ ذكر وحشو نصب على الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ محشوة والحمالق حذف الْيَاء مِنْهُ وَالْأَصْل حماليق ليقيم الْوَزْن الْغَرِيب الحماليق جمع حملاق وَهُوَ بطن جفن الْعين الْمَعْنى يَقُول أَتَاهُم بِالْخَيْلِ وَقد أحاطت بِهِ الرماح والعجاج فَهُوَ حَشْو هذَيْن وحوافرها تحشو الجفون بِمَا تباشر من الْغُبَار وَقَالَ ابْن جنى تحشو الجفون بالغبار وَقَالَ العروضى أحسن من هَذَا أَن الْخَيل تطَأ رُءُوس الْقَتْلَى فتحشو حماليقها بسنابكها كَمَا قَالَ
(وَمَوْطِئُها مِنْ كُلّ باغٍ مَلاغِمُهُ ... )
وَأما أَن يرْتَفع الْغُبَار فَيدْخل الجفون فَلَا كَبِير افتخار فِيهِ