تَارَة مَعَ فَاعله وَتارَة مَعَ مَفْعُوله ودخولها على مَفْعُوله قَلِيل فزيادتها مَعَ الْفَاعِل مثل كفى بِاللَّه وَالْمعْنَى كفى الله وَالَّذِي يدلك على أَنَّهَا مزيدة فِي كفى بِاللَّه قَول سحيم
(كَفى الشَّيْبُ ولإسْلامُ للِمْرَْءِ ناهِيا ... )
وَأما زيادتها مَعَ الْمَفْعُول فَفِي مثل قَول حسان
(وكَفى بِنَا فَضْلاً عَلى مَنْ غَيرُنا ... )
وَكفى بجسمي لِأَن فَاعل كفى أَن وَمَا بعْدهَا وأسبك لَك من ذَلِك فَاعِلا بِمَا دلّ الْكَلَام عَلَيْهِ من النَّفْي بلم وَامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره بلولا وَالتَّقْدِير كفى بجسمي نحولا انْتِفَاء رؤيتي لَوْلَا وجود مخاطبي ونحولا نصب على التَّفْسِير وَالتَّفْسِير فِي هَذَا النَّحْو للْفَاعِل دون الْمَفْعُول وَقَوله كفى بِاللَّه وَكيلا فوكيلا تَفْسِير لاسم الله ونحولا تَفْسِير لانْتِفَاء الرُّؤْيَة كَمَا أَن فضلا فِي بَيت حسان تَفْسِير لحب النَّبِي
إيَّاهُم فَهَذَا فرق فِي الْإِعْرَاب بَين كفى بِاللَّه وَبَين كفي بجسمك من حَيْثُ كَانَ بِاللَّه فَاعِلا ووكيلا وبجسمي مَفْعُولا وَإِنَّمَا زيدت الْبَاء فِي نَحْو كفى على مَعْنَاهُ إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ اكتف بِاللَّه وَنَظِيره حَسبك بزيد وَأما قَوْله أنني رجل فخبر موطىء وَالْخَبَر فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْجُمْلَة الَّتِي وصف بهَا رجل وَالْخَبَر الموطىء هُوَ الَّذِي لَا يُفِيد بِانْفِرَادِهِ عَمَّا بعده كالحال الموطئة فِي نَحْو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أَلا ترى أَنَّك لَو اقتصرت هُنَا على رجل لم تحصل بِهِ فَائِدَة وَإِنَّمَا الْفَائِدَة مقرونة بصفتنه فَالْخَبَر كالزيادة فِي الْكَلَام فَلذَلِك عَاد الضميران اللَّذَان هما الياءان فِي مخاطبتي وترني إِلَى الْيَاء فِي أنني وَلم يعودا على رجل لِأَن الْجُمْلَة فِي الْحَقِيقَة خبر عَن الْيَاء فِي أنني وَإِن كَانَت بِحكم اللَّفْظ صفة لرجل وَلَو قلت إِن رجل لما كَانَ هُوَ الْيَاء الَّتِي فِي أنني من حَيْثُ وَقع خَبرا عَنْهَا عَاد الضميران إِلَيْهِ على الْمَعْنى كَانَ قولا وَنَظِيره عود الْيَاء إِلَى الَّذِي فِي قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام
(أَنا الَّذي سَمَّني أُميّ حَيْدَرَهْ ... )
لما كَانَ فِي الْمَعْنى أَنا وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يحمل على الضَّرُورَة لِأَنَّهُ قد جَاءَ مثله فِي الْقُرْآن {بل أَنْتُم قوم تجهلون} فتجهلون فعل خطاب وصف بِهِ قوم وَقوم من قبيل الْغَيْبَة كَمَا ترى وَلم يَأْتِ بِالْيَاءِ وَلكنه جَاءَ وفْق الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ أَنْتُم فِي الْخطاب وَلَو قيل {بل أَنْتُم قوم} لم تحصل بِهَذَا الْخَبَر فَائِدَة وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر بِغَيْر ضَرُورَة قَوْله
(أأكَرمُ مِنْ لَيلى عَلىَّ فَتَبْتَغِي ... بِهِ الجاهَ أمْ كُنْتُ أمْرَأً لَا أُطِيعها)
؟ أعَاد من أطيعها ضمير مُتَكَلم وَلم يعد ضمير غَائِب وفَاقا لَا مرىء فَهَذَا دَلِيل إِلَى دَلِيل التَّنْزِيل الْمَعْنى يَقُول قد بلغ فِي النحول الْغَايَة وَكفى أنني رجل لَوْلَا كَلَامي لم يَقع نَاظر الْعَائِد عليّ إِنَّمَا يسْتَدلّ الْعَائِد عَليّ بصوتي وَهُوَ مَنْقُول من قَول الأخطل
(ضفَادع فِي ظَلْماءِ لَيْلٍ تَجاوَبَتْ ... فَدَلَّ عَلَيها صَوْتُها حَيَّةَ البَحْرِ)
وَقَالَ الصنوبري
(ذبْت حَتى مَا يُسْتدل عَلى أنىَ ... حَيّ إلاَّ بِبَعْضِ كَلامِي)
وَقَالَ الآخر
(لَوْلم أقُلْها أَنا لِلنَّاسِ لمْ أبِنْ ... )