كَقَوْلِه تَعَالَى {فتقطعوا أَمرهم بَينهم} أَي تفَرقُوا وتمزقوا فَلم يبْق إِلَّا مَاض صارم أَو أَسد ضبارم

22 - الْمَعْنى قَالَ الواحدى سَمِعت الشَّيْخ أَبَا معمر الْفضل بن إِسْمَاعِيل القَاضِي يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز يَقُول لم أنْشد المتنبي هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي بعده أنكر عَلَيْهِ سيف الدولة تطبيق عجزي الْبَيْتَيْنِ على صدريهم وَقَالَ لَهُ يَنْبَغِي أَن تطبق عجز الأول على الثَّانِي وَعجز الثَّانِي على الأول ثمَّ قَالَ لَهُ وَأَنت فِي هَذَا مثل امْرِئ الْقَيْس فِي قَوْله

(كَأنّي لمْ أرْكَبْ جَوَاداً لِلَذَّةٍ ... وَلمْ أتَبَطَّنْ كاعِبا ذَاتَ خَلْخال)

(وَلمْ أسْبإِ الزّقَّ الرَّوِيَّ وَلمْ أقُلْ ... لخَيْليْ كُرّى كَرَّةً بَعْدَ إجْفالِ)

قَالَ وَوجه الْكَلَام فِي الْبَيْتَيْنِ على مَا قَالَه أهل الْعلم بالشعر أَن يكون عجز الأول على الثَّانِي وَالثَّانِي على الأول ليستقيم الْكَلَام فَيكون ركُوب الْخَيل مَعَ الْأَمر للخيل بالكر وسبء الْخمر مَعَ تبطن الكاعب فَقَالَ لَهُ أَبُو الطّيب أدام الله عز مَوْلَانَا إِن صَحَّ أَن الَّذِي استدرك هَذَا على امْرِئ الْقَيْس أعلم مِنْهُ بالشعر فقد أَخطَأ امْرُؤ الْقَيْس وأخطأت أَنا ومولانا يعرف أَن الْبَزَّاز لَا يعرف الثَّوْب معرفَة الحائك لِأَن الْبَزَّاز يعرف جملَته والحائك يعرف جملَته وتفصيله لِأَنَّهُ أخرجه من الغزلية إِلَى الثوبية وَإِنَّمَا قرن امْرُؤ الْقَيْس لَذَّة النِّسَاء بلذة الرّكُوب للصَّيْد وَقرن السماحة فِي شِرَاء الْخمر للأضياف بالشجاعة فِي منازلة الْأَعْدَاء وَأَنا لما ذكرت الْمَوْت فِي أول الْبَيْت أتبعته بِذكر الردى ليجانسه وَلما كَانَ وَجهه المنهزم لَا يَخْلُو من أَن يكون عبوسا وعينه من أَن تكون باكية قلت ووجهك وضاح لأجمع بَين الأضداد فِي الْمَعْنى فأعجب سيف الدولة وَوَصله بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَقَالَ أَبُو الْفَتْح وَنَقله الواحدى وَلَيْسَ الْملك والشجاعة فِي شَيْء من صناعَة الشّعْر وَلَا يُمكن أَن يكون فِي ملاءمة الْعَجز الصَّدْر مثل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لِأَن قَوْله كَأَنَّك فِي جفن الردى هُوَ معنى قَوْله وقفت فَلَا معدل لهَذَا الْعَجز عَن هَذَا الصَّدْر لِأَن النَّائِم إِذا طبق جفْنه أحَاط بِمَا تَحْتَهُ فَكَأَن الْمَوْت قد أظلهُ من كل مَكَان كَمَا يحدق الجفن بِمَا يتضمنه من جَمِيع جهاتها فَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الْمَوْت وَقَوله تمر بك الْأَبْطَال هُوَ النِّهَايَة فِي التطابق للمكان الَّذِي تكلم فِيهِ الْأَبْطَال فتكلح وتعبس وَقَوله ووجهك وضاح لاحتقار الْأَمر الْعَظِيم انهى كَلَامهمَا يَقُول وقفت غبر متهيب وأقدمت غير متوقع الْمَوْت وَهُوَ لَا شكّ فِيهِ عِنْد من وقف موقفك وَتقدم تقدمك كَأَنَّك من الردى فِي أنكر موَاضعه وَهُوَ معرض عَنْك فِيمَا تتكلفه من شَدَائِد وَأَشَارَ بجفن الردى إِلَى عَظِيم مَا اقتحم وَجعله نَائِما لسلامته من الْهَلَاك لِأَنَّهُ لم يبصره وغفل عَنهُ بِالنَّوْمِ فَسلم وَلم يهْلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015