ولقد رأيت غداة شلن عليكم ... شول المخاض أبت على المتغبر
يروى: ولقد رأيت الخيل شلن عليكم، أي شاثلة. والتقدير: وقد شلن. وأراد بالخيل ها هنا الدواب، وهي تشول بأذنابها إذا اشتد عدوها؛ ويستدل بذلك منها على قوة ظهرها. فيقول: لقد رأيتكم منهزمين والخيل تعدو عليكم رافعة أذنابها، رفع النوق الحوامل لها إذا طلب حلب غبر لبنها. والغبر: البقية تبقى من اللبن في الضرع. ويقال تغبرت الغبر، كما يقال تحلبت المحلوب. والمخاض لا واحد لها من لفظها، وهي اسم مفرد موضوع للنوق الحوامل، والواحد من غير لفظها: خلفة. وقوله: أبت على المتغبر قد معه مضمرة، وهو واقع موقع الحال. أراد: رأيت الخيل شائلة أذنابها عليكم شول المخاض آبية على المتغبر. ومن روى: ولقد رأيت غداة فقد أضمر مفعول رأيت، وهو الخيل. وساغ ذلك، لأن قوله ولقد شهدت الخيل - وإن أريد به الفرسان - يدل عليه.
ونطاعن الأبطال عن أبنائنا ... وعلى بصائرنا وإن لم نبصر
ذكر الأبناء كتابة عن الحرم، كما قال الآخر:
نقاتل الأبطال عن بنينا
والبصائر: جمع بصيرة، وهو ما يستدل به الرجل من رأيه وعقله على ما يغيب منه. وعلى ذا سميت الطريقة من الدم بصيرة، لأنه يستدل بها على الجرح، وفسر قوله:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأي
على الوجهين جميعاً. فإذا جعلتها بصائر الرأى يكون المعنى خلفوا آراءهم وطرحوها، كما يقال تركت الرأى بموضع كذا وكذا، وجلعت غداً مني على ظهر. ومعنى وبصيرتي يعدو بها عتد وأي أن رأيه معه نافذ مستمر، وإذا جعلتها بصائر الدم يكون المعنى أنهم مهزومون مكلومون في ظهورهم وأقفائهم، فدماؤهم على أكتافهم. ومعنى وبصيرتي يعدو بها عتد وأى في هذا الوجه أن دمي سالم في نفسي