وفرسي يعدو بي. ومعنى البيت: إنا ندافع عن حرمنا وحريمنا، وعلى ما يعترض في الوقت، نفعل ذلك وإن لم نبصر عاقبة الأمر، ولم نتتبعها بالفكر فيها، وتأمل نتائجها، فنعلم موادها. وهذا شأن الفتاك فيما يمشونه من أحكام الحرب وينفذونه، ويفتلونه من أسباب الجذاب والنزاع ويبرمونه. وقد قيل في هذا البيت إنه كما حكي عن مسيلمة حي قال لبني حنيفة: قاتلوا عن أحسابكم، فأما الدين فلا دين. وكأن المعنى على هذا: وعلى بصائرنا في الحرب عند المحافظة على الشرف وإن لم نبصر أمر الدين. وهذا بعيد متعسف، وإذا تأملته ظهر لك. وفي الطريقة الأولى قول القطامي:
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه إتباعا
وسمعت بعض أصحاب المعاني يقول: المعنى إنا نقاتل الأبطال جرياً على عادة الناس عند نظرهم لدنياهم ودينهم، في الذب عن الحرم والعشيرة والشرف، وعلى الأديان والاعتقادات والبصائر، وإن لم نبصر وجهاً واحداً من هذه الوجوه نقاتل أيضاً، لأن همنا القتل والقتال. قال: فحذف مفعول وإن لم نبصر لأن المراد مفهوم. وكذلك حذف جواب إن، لأن فيما تقدم دليلاً عليه.
القطري بن الفجاءة المازني
لا يركنن أحد إلى الأحجام ... يوم الوغى متخوفاً لحمام
قصده إلى البعث والتحضيض، علىالتغرير بالنفس والتعريض. ألا ترى أنه يحث بهذا الكلام على ترك الفكر في العواقب، ورفض التحرز خوفاً من المعاطب. وينبه على أن الحذر لا ينجي من القدر، وأن الأجل إذا جاء لم تغن معه قوة الأمل، فيقول: لا يميلن أحد إلى هجر الإقدام، والسكون إلى الإحجام في الحرب متخشعاً من الموت. والإحجام: مطاوعة حجمت أي كففت ودفعت. فهو كالإكباب في أنه لمطاوعة كببت. ويقال حجمت البعير، إذا خطمته بما يمنعه من العض، ويسمى ذلك الشيء الحجام.