يجد النساء حواسراً يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
كانت العادة مستمرة مستحكمة فيهم، أنهم لا يندبون القتيل أو يدرك ثأره. فيقول: من كان فرحاً بمقتل مالك، شامتاً بأوليائه، فلينزع ملابس المسرة وليطرح أردية الشماتة، فقد أدركت الأثار وأريقت الدماء، وشفيت الأدواء، وليحضر ساحتنا في أول النهار، ليرى أن ما كان محرماً من الرثاء قد حل، وأن الحظر الواقع ببكائه قد رفع، ويجد النساء مكشوفات الرءوس يذكرنه بما كان من فضائله، ويندبنه بأشهر أوصافه، وأعلى مراتبه ومحاله، فإن ذلك متصل من فعلهن غير منقطع في أطراف الليل والنهار، والآصار والأسحار، وبعضهم يرويه:
من كان محزوناً بمقتل مالك
والمراد الموالون، كما كان المراد بالأول المنابذين. وأكثر من رأيناه كان يروى فليأت نسوتنا ورأيت الأستاذ الرئيس أبا الفضل ابن العميد يقول: إني لأتعجب من أبي تمام مع تكلفه رم جوانب ما يختاره من الأبيات، وغسله من درن بشع الألفاظ، كيف ترك تأمل قوله فليأت نسوتنا. وهذه لفظة شنيعة. وكيف ذهب عليه تأمل قوله:
قلت لقوم في الكنيف تروحوا ... عشية بتنا عندما وان رزح
تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم ... إلى مستراح من حمام مبرح
حتى جمع بين كنيف ومستراح في بيتين. وتأمل أمثال ما ذكره وبينه من شرائط الاختيار.
قد كن يخبأن الوجوه تستراً ... فاليوم قد أبرزن للنظار
يضربن حر وجوههن على فتى ... عف الشمائل طيب الأخبار
يصفهن بأنهن ابتذلن أنفسهن للمصيبة وقد كان من قبل ستر الصيانة مسبلاً عليهن، لا يظهرن المعاري من الوجوه وسائر الأعضاء لأحد من الناس، لتسترهن وارتفاع محالهن ومناصبهن عن التبرز والتبرج، إذ كن بيضات خدور وربات حجال وستور. وقوله فاليوم قد أبرزن للنظار يريد الوجوه. وهن وإن رمين قناعهن،