وأظهرن محياهن فإن أحداً لا يطمع في الدنو منهن، والنظر إليهن، فيخرج إلى حد المنكر. وقوله يضربن حر وجوههن على فتى يريد ما ينلن من أنفسهن بالضرب والإهانة، إجلالاً للرزيئة، وافتداء للمرثى. والعف: العفيف، ومصدره العفة والعفاف. والشمائل: خليقة الرجل وطبيعته، واحدها شمال. وقولهه طيب الأخبار أي حديثه حسن في الناس لا يؤبن بدنية، ولا يوسم بنقيصة.
لعمرك ما خشيت على أبي ... مصارع بين قو فالسلى
ولكني خشيت على أبي ... جريرة رمحه في كل حي
من الفتيان محلول ممر ... وأمار بإرشاد وغي
ألا لهف الأرامل واليتامى ... ولهف الباكيات على أبي
قوله لعمرك مبتدأ وخبره مضمر، وفيه معنى اليمين، وجوابها ما خشيت. فكأن هذا المتوفي مضى لسبيله لعارض عرض له بين قو والسلى. وإنما قال " مصارع " لأنه جعل كل قطعة مما بين هذين الموضعين كالمصرع لواحد من الناس. فيقول توجعاً: وبقائك ما خشيت على هذا الرجل أن يصرع بين هذين الموضعين، ولكني كنت أخشى عليه جرائره في الأحياء، وتراته في القبائل. وعلى ما يدل عليه كلامه كان مات هذا المرثي حتف أنفه، فلهذا قال: لم أختش عليه القدر ين هذين المكانين ما خشيت عليه من جرائر رمحه في الأحياء.
وقوله من الفتيان محلول ممر تعلق من بمحذوف، كأنه قال: كان من بين الفتيان سهل الخلق، وطيء الجانب. والمحلولى هو الذي تناهى حلاوته. قال الخليل: افعوعل: بناء للمبالغة. على ذلك قولهم اعشوشب المكان، إذا تناهى عشبه؛ واحلولى، إذا تناهى حلاوته. والممر: الذي صار مراً. وليس هذامن قولهم: ما أمر وما أحلى، لأن ذلك معناه ما أتى بحلو ولا مر، ولكن يجب أن يكون من أمر الشيء فهو ممر، وفي بعض اللغات مر. قال:
لئن مر في كرمان ليلى لطالما