والرفع لا يكون فيه الاستغراق، لكونه جواب هل فتى وهل عرف، فلا يمتنع أن يكون السؤال عن واحد من الجنس ويكون الجواب على حده. وقوله ما تزال ركابه من صفة فتى، وتجود بمعروف خبر ما تزال.

وارتفع فتى حنظلي على أنه خبر مبتدأ محذوف، ولو نصبه على المدح والاختصاص لجاز، وقصده إلى أنه أمار بالمعروف، ونهاء عن المنكر، ولا يرضى بذلك فيما يليه من البلاد، بل ترى الركبان تطوف به، فيأتيهما في الأباعد مثل ما يأتيهما في الأقارب. وقوله ركابه أراد أصحاب ركابه يعني رسله.

وقله لحى الله قوما أسلموك تصريح بأن أصحابه خذلوه وتقاعدوا عن نصرته حتى تمكن منه الأعداء فقتلوه. وقوله جردوا عناجيج أعطتها يمينك ضمرا بيان لأن الخيل التي جردوها للركض في الهرب مما سمحت به يده، فلم يراعوا ذمة، ولم يحافظوا حرمة، ولا راجعوا أنفسهم فيما تنتجه الأحدوثة، وتسير به الركب من سيئ القالة. والعناجيج: الخيل الطوال، واحدها عنجوج. ومعنى لحى الله يجوز أن يكون من اللحاء: السب والذم. ويجوز أن يكون من اللحى: القشر. وكيف جعلته فهو دعاء عليهم، تسويداً لوجوههم، وإلحاقاً للعار بهم، وتقبيحاً لفعلهم، وجزاء على صنعهم. وفائدة قوله ضمرا أنهم لم يؤتوا من عدة ولا عدد، وإنما أتوا من عجزهم وجبنهم، وسوء نياتهم، وسقوط همتهم.

وقال آخر:

أضحى أبو القاسم الثاوي ببلقعة ... تسفي الرياح عليه من سوافيها

قوله أضحى ها هنا لاتصال الوقت، والباء من قوله ببلقعة تعلق بالثاوي، وخبر أضحى تسقى الرياح عليه، والكلام توجع وتحسر بأنه استبدل بمجالسه الفضاء، ومن ندمائه وخلطائه الخلاء، ومن رفيع دسته ونبيه فرشه التراب، والرياح السوافي تأتي بها إليه، وتجمعه عليه. والسفا والسافياء: التراب. ويقال سفت الريح التراب وغيره تسفيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015