وقال آخر:

نعى الناعي الزبير فقلت تنعى ... فتى أهل احجاز أهل نجد

خفيف الحاذ نسال الفيافي ... وعبداً للصحابة غير عبد

يقول: خير الناعي بموت الزبير، فقلت معظماً لشأنه، ومفخماً للتأثير بمكانه: إنك تذكر موت قريع أهل الحجاز وأهل نحد ومختارهم، ومن لا تحق الفتوة بالاتفاق إلا له. وقوله خفيف الحاذ وصفه بخفة العجز وقلة اللحم على الفخذ، وذلك مستحب من الفرسان. قال الخليل: الحاذان: أدبار الفخذين، والآحاذ الجميع. وقيل هو الظهر. والحاذ في غير هذا المكان: الحال والمؤونة. وقوله نسال الفيافي أراد نسال في القيافي، فأجراه مجرى قطاع الفيافي. والنسان: مشية الذئب إذا أعنق وأسرع. ويقال: نسل الماشي، إذا أسرع. وفي القرآن: " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " أي يسرعون.

وقوله عبداً للصحابة غير عبد يصفه بكرم الصحاب، وحسن التوفر على الرفاق. والصحابة مصدر في الأصل، يقال أحسن الله صحابتك، ثم استعمل صفة، وقوى في الوصفية حتى جرى مجرى الأسماء، وتفرد عن الموصوف به. وكذلك قولهم صاحب اسم الفاعل من صحب، تفرده بنفسه، قوى حتى كأنه ليس بمشتق من صحب، لا يكاد يقال هو صاحب زيداً كما يقال هو ضارب زيداً. ومعنى غير عبد نفي لذل العبودية، لأن قوله عبداً للصحابة أراد كرم الخلق وسهولة الجانب، وتحمل الأعباء عن رفقائه. وقد ألم في هذا بقول الآخر:

طباخ ساعات الكرى زاد الكسل

وقال رقيبة الجرمي، من طيئ

أقول وفي الأكفان أبيض ماجد ... كغصن الأراك وجهه حين وسما

أحقاً عباد الله أن لست رائياً ... رفاعة طول الدهر إلا توهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015