هذا على عادتهم في تحريم الخمر وما يجري مجراها في ولوع النفس به والميل إليه إذا قتل لهم قتيلٌ، حتى يدركوا ثأره، أو حزبهم أمرٌ عظيم يحتاجون فيه إلى مناهضةٍ ومزاولة. وربما كانوا يحرمون على أنفسهم تنظيف البدن والأخذ من الشعر وما شاكله، وذلك على حسب ميل الطباع وإيثار فطم النفس عن الشيء الذي لا مترك له عندها. والقصد في جميعه حبس النفس عن المطلوب وتذكيرها بالمفقود، لئلا تتناساه أو تتشاغل عنه. فيقول: أدركت الثأر فحلت الخمر بعد أن كانت محرمةً بالنذر علي، وبجهدٍ ألمت حلالاً، إشارةٌ منه إلى ما قاساه في طلب دمه. ومعنى بلأيٍ: بعد جهد وبجهد. على ذلك قوله:
فلأياً بلأيٍ ما حملنا غلامنا
وفي هذه الطريقة لامرئ القيس:
حلت لي الخمر وكنت امرأً ... عن شربها في شغلٍ شاغل
وقول الآخر:
فيا ليل إن الغسل ما دمت أيماً ... علي حرامٌ لا يمسني الغسل
وقوله ما ألمت يجوز أن يكون ما صلةً، ويجوز أن مع الفعل بعده في تقدير المصدر. يريد: وبلأيٍ ألمت حلالاً. والإلمام أصله في الزيارة الخفيفة، وتوسع فيه فأجرى مجرى حصلت عندي. وقوله:
فاسقنيها يا سواد بن عمروٍ ... إن جسمي بعد خالي لخل
أظهر التشفي بما ناله من الأعداء حتى دعا من خاطبه إلى ما كان يتشوفه من سقيه له، كما أظهر التوجع لفقده من أصيب به بقوله إن جسمي بعد خالي لخل. والخل: المهزول. وقوله يا سواد بن عمروٍ جعل سواد - وقد رخمه عن سوادة - بمنزلة ما جاء تاماً ولم يحذف منه شيء فجعل سواد وابن بمنزلة شيءٍ واحد، وبناه على الفتح. فالفتحة في ابن للإعراب، والفتحة في سواد للبناء. ولك أن ترويه: يا