يقول: لم يرض القتل إلا آل صمة لأنهم الكرام، والدهر يأبى في الاختيار أن يكون حظه من غيرهم، كما أن آل صمة لم يرضوا من أحداث الزمان فيهم إلا بالقتل، إذ كان ذلك عندهم أحسن الميتات وأكرمها وقوله أبى القتل إلا آل صمة يشبهه قول الآخر:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتسدد

وقوله إنهم أبوا غيره يشبهه قول الآخر:

وما مات منا ميتٌ حتف أنفه

وقوله والقدر يجري إلى القدر يريد كما قدروا للقتل قدر القتل لهم، لأنهم بما اجتمع فيهم من الخصال الشريفة التي يختارها الدهر لنوائبه، كأنهم خلقوا للدهر ولتأثيره الذي هو القتل، لأن القتل لما كان أشرف أسباب الحتف عندهم فأحبوه ومالوا إليه، صاروا لذلك كأن القتل خلق لهم.

فإما ترينا لا تزال دماؤنا ... لدى واترٍ يسعى بها آخر الدهر

فإنا للحم السيف غير نكيرةٍ ... ونلحمه حيناً وليس بذي نكر

جواب إما أول البيت الذي يليه، وهو فإنا. والفاء من فإنا رابطةٌ ما بعدها بما قبلها، ولا تزال دماؤنا إلى آخر البيت في موضع المفعول لترينا، ولدى واترٍ لفظه واحدٌ والمراد به الكثرة. وآخر الدهر: ظرفٌ، والعامل فيه لا تزال دماؤنا لأن المعنى إما ترينا لا تزال دماؤنا أبد الدهر لدى واترين يسعون بها. ولا يجوز أن يكون العامل فيه يسعى بها، لأن فيه إيهاماً أنهم لا ينالون الوتر من الواترين سريعاً، ولكنهم يسعون بدمائهم أبد الدهر. وهذا الكلام كالاعتذار من كثرة القتل فيهم، فيقول: إن اتصل القتل فينا حتى نرى دماءنا أبد الدهر لدى واترين، فإنا لحبنا للقتل طعم السيوف حقاً غير ذي إنكارٍ ولا امتراءٍ، وكما تتطعم منا فإنا نطعمها أيضاً من غيرنا، فنجعل أعداءنا لحمةً لها غير ذي شكٍ ولا مريةٍ. وقوله غير نكيرةٍ انتصب على المصدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015