وأكثر ما يستعمل نكيرٌ بغير الهاء فالنكر والنكير، كالعذر والعذير والعذرى. ومثل هذا المصدر يؤكد به الكلام الذي قبله، ويجري مجرى حقاً وما أشبهه. ويجوز أن يكون الهاء من النكيرة للمبالغة. وقوله ونلحمه حيناً فالحين اسمٌ للزمان المتصل، فكأنه قال: ونلحمه فيما يتصل من الأوقات. وليس يريد حيناً من الأحيان. وإن روي غير نكيره على أن يكون الضمير منه يعود إلى السيف كأنه قال: غير منكورٍ له، فيجعله حالاً للحم، فليس بجيد؛ لأن القصد إلى تأكيد الكلام بهذا المصدر؛ فكما أن في آخر البيت قوله وليس بذي نكر تأكيدٌ لما قبله، كذلك يجب أن يكون غير نكيرةٍ هكذا، ليتقابل الصدر والعجز على حدٍ واحدٍ من التأكيد وحصول هاء التأنيث في نكيرةٍ لا يجب أن ينكر، كما لا ينكر في قولهم نكرةٌ ومعرفةٌ، وكما لا ينكر الألف في آخر ذكرى وعذرى.

يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا أو نغير على وتر

نبه بقوله فيشتفى بنا أنهم الثأر المنيم، فإذا أصيبت دماؤهم كان فيها للأعداء الشفاء. وانتصب على الحال من الضمير في علينا. وقوله أو نغير على وتر، يريد على وترٍ لنا عندهم، فكأنه قال: أو نغير على واترين لنا. وقد سلك الأعشى هذه الطريقة، فلم يوف القسمة حقها كما فعل هذا؛ لأنه قال:

فأظعنت وترك من دارهم ... ووترك من قبلهم لم يقم

والمعنى أزعجت الوتر الذي كان لك عندهم من دارهم، على عادتك مع سائر الناس من قبل في إدراك الثأر سريعاً؛ لأن قوله ووترك من قبلهم لم يقم إشارةٌ إلى أنه لا يمهل ولا يهمل فوتره لا يتلوم عند الأعداء.

قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر

أشار بقوله ذاك إلى ما تقدم ذكره من تردده في مجاذبة الأعداء طالبين مرةً، ومطلوبين أخرى. وانتصب شطرين على المصدر، كأنه قال: قسمنا الدهر قسمين. ويجوز أن يكون حالاً على معنى قسمناه مختلفاً؛ فوقع الاسم موقع الصفة لما تضمن معناه، كما تقول: طرحت متاعي بعضه فوق بعضٍ، كأنك قلت متفرقاً. والمراد: جعلنا أوقات الدهر بيننا وبين أعدائنا مقسومةً قسمين، فتراها لا ينقضي شيءٌ منها إلا ونحن فيه على أحد الحدين. إما أن تكون لنا الكرة عليهم فننال منهم. وإما أن تكون لهم الجولة علينا فينال منا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015