وفي القرآن: " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ". وانتصب عبد الله بأبكي، وقتيل على البدل من الذي.
وعبد يغوث تحجل الطير حوله ... وعز المصاب جثو قبرٍ على قبر
نبه بقوله تحجل الطير حوله على أنه ترك بالعراء، وعوافي الطير بأكله، فلم يدفن، وإنما قال تحجل إشارةً إلى امتلاء حواصلها وثقلها، فهي تحجل حوله ولا تطير. والحجل: مشي المقيد، وتوثب الإنسان على إحدى رجليه وقد رفع الأخرى. ونزوان الغراب حجله. وهذا الكلام تلهفٌ وتحزن. وقوله وعبد يغوث وإن استأنف الكلام به فهو في المعنى معطوف على ما قبله، كأنه قال: أيهم أبكي وقد كثروا. وقوله وعز المصاب يروى المصاب بالرفع ويراد بالمصاب المصيبة، ويرتفع جنو على أنه بدلٌ منه، ويكون مفعول عز محذوفاً، كأنه قال: وعز الشاعر المصيبة جثو قبرٍ على قبر. وإذا رويت وعز المصاب بالنصب، يكون المصاب الشاعر، وجثو قبرٍ هو الفاعل، والمعنى غلبه تولي المصائب عليه. وقوله جثو قبر على قبر أي حصول الواحد في إثر الواحد. ويقال: جثا لركبته، وفي القرآن: " حول جهنم جثياً "، أي لازمين لركبهم لا يستطيعون القيام. واستعمال الجثو مجاز هنا؛ لأن القبر لا يجثو. والجثوة من التراب وغيره: ما جمع، وبه سمي القبر جثوة. وروى بعضهم: حثو قبرٍ على قبر فجعل الحثو للقبر، وإنما يحئى عليه، كما قال:
وما من قلىً يحئى عليه من الترب
وروى بعضهم وعزي والمعنى سلى المصاب، أي نفسه، من البكاء والتحزن، توالي الأرزاء عليه؛ فإنه تمرن بها، فصار يصبر عليها. ويكون في هذا ملماً بمعنى قول الآخر:
فقد جعلت نفسي على النأي تنطوي ... وعيني على فقد الصديق تنام
أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره والقدر يجري إلى القدر