مثل المصراع الأول قول الآخر:

يابس الجنبين من غير بوسٍ

يصفه بقلة الطعم مع اتساع الحال، وطاعة الزاد، فيقول: ترى بطنه منطوياً والزاد معدٌ، لأنه يؤثر به غيره على نفسه، ولأنه لا نهمة ثم ولا حرص على عمارة البدن، ولا على استسراء الثياب، فهو يغدو في القميص الممزق، إذ كان يبتذل بنفسه فيما كان يكسبه فخراً وعلواً. ويقال: عتد فهو عتيدٌ عتاداً، وأعتدته أنا. ومنه سمي العتيدة التي يكون فيها الطيب، والعتد بفتح التاء وكسرها: الفرس المعد للمهمات من الطلب والهرب وغيرهما، الذكر والأنثى فيه سواء.

وإن مسه لإقواء والجهد زاده ... سماحاً وإتلافاً لما كان في اليد

يقول: وإن انفق عليه إعسار ٌونفاد زاد، وجهدٌ من نكد الزمان وإعوازٌٍ زاده سخاءً وإتلافاً للمال، جرياً على عاداته التي ألفها، لا يهضمه ضرٌ، ولا يلفته فقر. ويقال: أقوى الرجل، إذا نفد زاده. ويقال: زاد الشيء ضد نقص، وزدته أنا فازداد. وفي طريقته قول الآخر:

قد جعل الله فيك قلباً ... يأبى على الشغل أن يضيقا

صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد

يجوز أن يكون صبا الأول من الصبا واللهو، وصبا الثاني من الصباء بمعنى الفتاء، فيكون المعنى: تعاطى اللهو والصبا ما دام صبياً، فلما اكتهل وظهر في رأسه الشيب فاشتعل نحى الباطل عن نفسه زهداً فيه، ورجوعاً إلى الحق، ورغبةً فيما يكسبه الأحدوثة الجميلة من أبواب الصلاح والجد. ويجوز أن يكون المعنى: تعاطى الصبا ما تعاطاه إلى أن علاه المشيب، فيسقط التجنيس من البيت، وهو يحسن به. وما صبا في موضع الظرف على الوجهين جميعاً، أي مدة الأمرين. وحتى للغاية. وقوله ابعد من بعد يبعد، إذا هلك. ولو أراد البعد لقال ابعد، بضم العين. وجرى أبو نواسٍ في هذه الطريقة لما قال:

قد عذب الحب هذا القلب ما صلحا ... فلا تعدن ذنباً أن يقال صحا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015