خلت الديار فسدت غير مدافعٍ ... ومن الشقاء تفردي بالسودد
قوله فاليوم أشار به إلى الزمان الحاضر المتصل بما بعده، غير محصورٍ بنهاية، ولا مضبوطٍ بذكر غاية، وهذا كما يقال: فلانٌ بالأمس كان يفعل كذا وهو اليوم رئيس بلدٍ. فذكر الأمس واليوم لاتصال الوقتين، وتقريب المدى بين الماضي منهما والحاضر. والوسيقة: الطريدة. ونبه بهذا الكلام على أن الدهر بعد جارٍ على عادته المستأنفة معهم في الأخذ منهم، والذهاب بهم. وقوله من رائحٍ عجلٍ وآخر مغتد بيان لذهاب الواحد منهم في إثر الآخر. والعجل: المستعجل. ويقال عجلٌ بكسر الجيم وعجلٌ، ومثله العجلان.
وقوله خلت الديار فسدت غير مدافعٍ يروى غير مسودٍ.
ومعنى خلت الديار مات الرؤساء الذين لكل واحد منهم بيتٌ ودارٌ ينسب إليه، ويتبجح به. وإذا رويت غير مدافعٍ يكون حالاً، كأنه سادهم ولا منازع له ولا متأبي عليه. وإذا رويت غير مسودٍ جاز أن يكون غير مفعولاً من سدت، فيكون مثل قول الآخر:
وضع الدهر عليهم بركه ... فأراه لم يغادر غير فل
فيكون المعنى: سدت من لا يصلح أن ينسب إلى السيادة في حال؛ لأن من استصلح لها، أو ذكر في عداد الرؤساء إذا عدوا، ماتوا وبادوا. وجاز أن يكون حالاً، ويكون المعنى سدت قبل أوان سيادتي، أي سدت ولم أسود بعد. وقوله ومن الشقاء تفردي بالسودد، يؤكد المعنى الذي ذكرناه أولاً في غير مسود، وإنما شقي بزعمه لأنه فجع بؤساء عشيرته، وفي ذاك ضعفه وتراجع رياسته.
نعم الفتى فجعت به إخوانه ... يوم البقيع حوادث الأيام