باستعمالهم البغي، واستيطائهم الظلم، واستبدالهم بالتحاب تباغضاً وبالتعاطف تدابراً، وبالتناصر تخاذلا، وهم من جرثومةٍ واحدةٍ، أنه سيحدث في مؤتنف الأحوال منهم أحداثٌ، وتظهر على مرور الأيام لدواعي الهلك آياتٌ من كذا وكذا، وحربٍ يتشاكون من اشتمالها لهم، وتناولها بالمشاركة من عداهم معهم، وتجاوز القرباء بعد ذلك إلى البعداء فيهم. وهذا المعنى اقتضاه قوله من نفيانها لأن أصله أن يستعمل فيما يتطاير من القطر عند سيلان الماء من أعلى إلى أسفل في جوانب المصب، فشبه ما يتدافع وينتشر من أذى الحرب في جوانب القوم به. والجلة: المسان من الإبل. وتعني التي مع السن أضربها الكد، وجهدها الاستعمال، وأزمنها الدبر، فقالت: تضج العشيرة لما يقاسونه من هذا الحرب ضجيج تلك الإبل عند ما تقاسي من العمل. وهذا التشبيه الصائب المتناهى في الدلالة على حالة المشبه. وقد قال الراجز في هذه الطريقة يصف حرباً:

وأغشت الناس الضجاج الأضججا ... وصاح خاشي شرها وهجهجا

سيتركها قومٌ ويصلى بحرها ... بنو نسوةٍ للثكل مصطبرات

نبهت بهذا إلى استفحال الحرب التي توعدت بها وتفاقم الخطب، فقالت: تضجر بها فرقةٌ منهم فينفضون الأيدي منها تفادياً من ملابستها، ويعتزلون عنها طلباً للسلامة من عقباها، وحذراً من امتدادها إلى غاية لا تملك فيها الاستقالة منها؛ ويصبر فيها أخرى، وهم المنهمكون في إيقاد نارها، والاصطلاء بحرها، للعنون في إثارة كامنها، وإذاعة واقفها، الذين لا يبالون بما يفعلونه أو يفعل بهم، وقد تعود الثكل أمهاتهم فلا يجز عن لقتلهم، وألف الأيمة نساؤهم فلا يحزن لموتهم. ومعنى للثكل أي من أجله، وهذه اللام في هذا الموضع قد تؤدي معنى على، فاعلمه.

فإن يك ظني صادقاً وهو صادقي ... بكم وبأحلامٍ لكم صفرات

تعد فيكم جزر الجزور رماحنا ... ويمسكن بالأكباد منكسرات

قولها فإن يك ظني صادقاً يجري منها مجرى التحذير والوعيد، وفيه بعض الاستفاءة، لأنها إذا رهبت من القطيعة وآفاتها، فقد رغبت في الصلة وآياتها. وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015