وسابغةً من جياد الدروع ... تسمع للسيف فيها صليلا

كمتن الغدير زهته الدبور ... يجر المدجج منها فضولا

يقول: وأعددت لها أيضاً درعاً واسعةً من خير أجناسها، ينبو عنها السيف فلا يعمل فيها، لاستحكامها وجودة سردها، إلا ما تسمع من صليلها عند إصابتها به، صافيةً كأنها صفحة الماء من غديرٍ هبت عليه ريح الدبور، فحركته واستخفته، فصار على ظواهره حبابٌ يتدافع. وإذا لبسها المتدجج في السلاح، المستعد للكفاح، فضل عنه منها فواضل يجررها. وهذا كما قال الآخر:

تغشي بنان المرء والكف والقدم

والقصد في هذا إلى صفة الدرع وجودتها. ولو قصد مدح لابسها لكان يجعلها صداراً أو بدنة. على أن كثيراً لما أنشد عبد الملك قوله فيه:

على ابن أبي العاصي دلاصٌ حصينةٌ ... أجاد المسدي سردها وأذالها

قال له: قول الأعشى لقيس بن معد يكرب أحسن من قولك:

وإذا تجيء كتيبةٌ ملمومةٌ ... خرساء يخشى الذائدون نهالها

كنت المقدم غير لابس جنةٍ ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها

فقال كثير: يا أمير المؤمنين وصفتك بالحزم، ووصف الأعشى صاحبه بالخرق.

ولقائلٍ أن يقول: إن المبالغة في الشعر أحسن من الاقتصاد، والأعشى أعطى المبالغة حقها، فهو أعذر، وطريقته أسلم.

؟ وقالت امرأةٌ من بني عامرٍ:

وحربٍ يضج القوم من نفيانها ... ضجيج الجمال الجلة الدبرات

انعطف قوله وحربٍ على مجرورٍ تقدمه، وليس على إضمار رب، بدلالة قولها سيتركها قومٌ. كأنه غلب على ظنها لما رأت من أمارات الشر بين قومها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015