إصابة الأوتار، لم يفتني العدو البعيد الدار، لأن المسافات لا تمنعني عن الطلب وإن شقت وثقلت.
وأصبحت أعددت للنائبات ... عرضاً برئياً وعضباً صقيلا
ووقع لسانٍ كحد السنان ... ورمحاً طويل القناة عسولا
يقولك وصرت كما استنكفت من مساوي الأخلق، وأخذت أنعطف على مكارمها، أعددت أيضاً لحوادث الدهر نفساً نقيةً من الدنيات، رافضة للمنكرات، وسيفاً قاطعاً مصقولاً. كأنه في وقت مساعدة الأحوال له وإقبال الزمان عليه، يعلم أن المقدور كما يعطى يرتجع، فيسعى فيما تسلم معه النفس وبطيب به النشر. وإنما قرن بذكر العرض المعد أسلحته ليرى اكتفاءه بها إذا نابت النائبات، كما قال غيره:
فلما نأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهةٍ ... ولا نحن أغضينا الجفون على وتر
وقوله ووقع لسانٍ يجوز أن يكون من وقعت الحديدة بالمطرقة، إذا ضربتها؛ ومنه حافرٌ وقيعٌ، إذا أثرت فيه الحجارة. ويجوز أن يكون من وقعت بهم وأوقعت؛ ومنه وقعات الدهر ووقائعه. يقول: وأعددت لها لساناً مؤثراً تأثيراً شديداً، إذا اغترز في ركاب القول نافذاً حديداً، نفاذ السنان. وهذا كما قال:
ولساناً صيرفياً صارماً ... كحسام السيف ما مس قطع
وقد قيل: " المرء بأصغريه قلبه ولسانه ". وإذا تنقت الأعراض طالت الألسنة. وكانت الشعراء والخطباء عدةً للقبائل كالرجال والأموال، بل كان الانتفاع بمكانهم، والدفاع بألسنتهم أتم وأكمل. وقوله ورمحاً أي وأعددت رمحاً، وجعله طويل الخشبة لأن مستعمله طويلاً أفرس. والعسول: الشديد الاهتزاز؛ ومنه عسلان الذئب، وقولهم: عسل الدليل في الطريق.