القائلين إذا هم بالقنا خرجوا ... من غمرة الموتت في حوماتها عودوا
الحومات: جمع حومةٍ، وهي في الأصل أكثر موضعٍ في البحر ماءً، وكذلك في الحوض، فاستعارها لشدة الحرب. وإنما يصف حرصهم على القتال، وأنه لا يلحقهم السآمة فيه والملال، فمتى خرجوا من غمرة منيةٍ، وحومة كريهة، مطاردين الأعداء، دعتهم أنفسهم إلى أن يتنادوا: عودوا، فلا شفاء نلنا، ولا بواء من الأعداء أصبنا. وقوله بالقنا خرجوا أي خرجوا ومعهم القنا. وعودوا في موضع المفعول من القائلين، وهو حكاية ماقالوا.
عادوا فعادوا كراماً لا تنابلةٌ ... عند اللقاء ولا رعشٌ رعاديد
قوله لا تنابلةٌ عند اللقاء مثله قول الهذلي:
قد ظلت فيها معي شعثٌ كأنهم ... إذا يشب سعير الحرب أرماح
يقول: عادوا لاتفاق آرائهم واجتماع كلماتهم، وهم كرام الموافقة، شداد المناصبة، لا يتضاءلون عند اللقاء، ولا يتقاصرون في جهد البلاء، ولا يرتعشون في الدفاع، ولا يتخاضعون أوان الامتناع. والتنابلة: جمع التنبال، وهو القصير. والرعاديد: جمع رعديدٍ، وهو الذي لا يتماسك جبناً وضعف قلب.
لا قوم أكرم منهم يوم قال لهم ... محرض الموت عن أحسابكم ذودوا
دخل تحت قوله أكرم منهم كل خصلةٍ محمودةٍ، لأنه إذا تناهى كرمهم إذا دعا الداعي وقت التحريض: أن ادفعوا عن أحسابكم، فقد حصلوا كل منقبةٍ شريفة، وطلعوا على كل ثنيةٍ من ثنايا المجد منيفة، واكتسبوا من الأحدوثة الجميلة بما يظهر من بلائهم ما يقصر عنه كل أكرومةٍ نبيهةٍ.