وانتصب خوف المنية على أنه مفعول له، وإذا ما كذبت نجدة الأنجاد، ظرفٌ لقوله مذل، والمعنى: إذا خانت شدة الأشداء، ولم تف بما تعد شجاعة الشجعان، لاستفحال الشأن، فإن هذا الرجل كان ينذل بمهجته، فكأنه يميل إلى انقطاع العمر. والأنجاد: جمع النجد. والنجدة: البأس. ويقال: هو صادق البأس، كما قيل كاذب البأس.
ساقيته كأس الردى بأسنةٍ ... ذلقٍ مؤللة الشفار حداد
فطعنته والخيل في رهج الوغى ... نجلائ تنضح مثل لون الجادى
أخذ يقتص كيف قتل تيماً. والمساقاة تكون من اثنين، ولذلك قال: " بأسنة ذلقٍ " فجمع، وإنما كان سنانان من رمحين. ويجوز أن يكون جمع لأنه أراد الزج والسنان من كل واحدٍ منهما. والذلق: المحددة. وذلق كل شيء: حده، ومنه قيل ذليق اللسان. والمؤللة أيضاً: المحددة. والشفار، أصله أن يستعمل في السكين العريض. وكما جعل هذا الشفرة للرمح جعله غيره للسيف فقال:
ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مز حل
وقوله فطعنته والخيل الوالو والو الحال، والرهج: الغبار. وقوله: نجلاء أراد طعنته طعنةً نجلاء أي واسعة، تنضح أي ترش. والنضح بالحاء غير معجم يستعمل فيما رق، وبالخاء معجمةً فيما غلظ. وقوله مثل لون الجادى يعني به دماً، أي لونه مثل لون الزعفران.
فكأنما كانت يدي من حتفه ... لما انثنيت له على ميعاد
فهوى وجائشها يفور بمزبدٍ ... من جوفه متدارك الإزباد
قوله فكأنما كانت يدي من حتفه يريد أنه سقط لأول طعمة، فكانت نفسه فيها، لأنها كانت جائفةً نافذةً إلى المقتل، فكأن بين حينه وبين يدي لما أملتها للطعن موعدةً أنجزت، وخطفةً اختطفت. وقوله فهوى وجائشها يفور يريد: سقط وما يجيش من نجيعه يسيل وقد علاه الزبد لكثرته وقوته، فهو يمور ولا يرقأ ولا يهدأ. ومعنى متدارك الإزباد أي متتابعه، أي إزباده لا ينقطع.