قال هذا فيما كان بين ضبيعة وبكر بن وائل، ومعنى ألم تر اعلم. يقول: الإنسان مرتهنٌ بأجله، فإما أن يموت حتف أنفه فيدفن، وإما أن يقتل في معركةٍ فيترك لعوافي السباع والطير. وجعل رهن منيةٍ وصريعٌ لعافي الطير جميعا خبرين لأن، ثم أتي بأو الإباحة. ويجوز أن ينتصب صريعٌ على الحال، وفي رفعه وجهٌ آخر، وهو أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه هو صريعٌ. وإن جعلت أو التي تكون للشك يكون الكلام مبنياً على اليقين ثم يعترض فيه الشك. والأصلح في مثل هذا أن يجعل بإما، ليكون بنية الكلام على الشك، إذ كان واحدٌ من الأمرين لا يتيقن.
وقوله فلا تقبلن ضيماً يقول: أدفع عن نفسك خطة الضيم والهضيمة، ولا تلتزم العار والدنية، إشفاقاً من المنية. وانتصب مخافة على أنه مفعولٌ له. وقوله وموتن بها، الضمير من بها يرجع إلى المخافة، أي مت بتلك المخافة حراً لم يستعبدك الخصم، ولم يستوطئك الظلم، وجلدك نقيٌ من العيب، سليمٌ من العار والشين. ويروى " واحين بها حراً وجلدك أملس " والرواية الأولى أحسن، ويكون واحين أمراً بالحياة وقد أدخل عليه النون الخفيفة. ومعنى يرمس: يدفن. والرمس: الدفن. والرياح الروامس منه، وتوسعوا في الدفن فقيل ارمس هذا الحديث، كما يقال ادفن. وعافي الطير: ما يعتري منه. ويقال فلانٌ كثير العافية والعفاة، ويراد الزوار والمجتدون.
فمن طلب الأوتار ما حز أنفه ... قصيرٌ وخاض الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
قصيرٌ: صاحب جذيمة الأبرش. وقصة جذيمة وزباء الرومية مشهورة. وإن قصيراً توصل بأن جدع أنف نفسه، إلى أن استخدمته زباء ثم استخلصته حتى تمكن فأدرك ثأره منها. وبيهسٌ هو الذي يلقب نعامة، وهو رجلٌ من بني غراب بن فزارة، وكان يحمق، فقتل له سبعة إخوة فجعل يلبس القميص مكان السراويل، والسراويل مكان القميص، فإذا سئل عن ذلك قال:
البس لكل عيشةٍ لبوسها ... إما نعيمها وإما بوسها