وقال: أراد كوني تذكرينني، فوضع ذكريني موضع تذكرينني. ومرجع هذا الذي قاله إلى مثل ما بيناه. وكما أن خبر إن فيما بيناه فكذلك جواب إذا، فافهمه. وما من قوله ما القوم زائدةٌ. وأنجيةٌ: جمع نجيٍ، والنجي يقع للواحد والجمع. وفي القرآن: " خلصوا نجياً ". ومعنى كانوا أنجيه، أي صاروا فرقاً لما حزبهم من الشر، ودهمهم من الخوف، يتناجون ويتشاورون.
وقوله واضطرب القوم أي أخذهم القيام والقعود، وفارقهم القرار والهدو، فأقبل بعضهم يمشي إلى بعضٍ، متعاونين في التهيؤ والارتحال، ومتساعدين على التيسر للانتقال. فشبه ميلانهم وترجحهم في اختلافهم، بترجح الأرشية عند الاستقتاء عليها من الآبار البعيدة القعر، وميلانها.
وقوله وشد فوق بعضهم بالأرويه، يعني أنهم ركبوا الليل وداوموا السير، فغلب النعاس على طائفةٍ منهم حتى خيف عليهم السقوط، لضعف استمساكهم، فشدت الحبال فوقهم. والأروية: جمع الرواء وهو الحبل الذي يروى به، أي يستقى. ومنه قيل الراوية، ويجوز أن يكون الاضطراب الذي ذكره لاتصال التسيار وغلبة النوم، للإخلال بالنزول والقرار أيضاً. وصرفه إلى الأول أحسن.
وقوله هناك أوصيني، هناك يشار به إلى الزمان والمكان معاً، وموضعه نصبٌ على الظرف، والكاف منه كاف الخطاب، والعامل فيه أوصيني. والمعنى: في ذلك الوقت يوجد الغناء والكفاية عندي، ويحصل الصبر والمداومة مني، فاجعلي وصاتك إلي لا بي، واعتمدي علي لا على غيري. وقال بعض القدماء: معنى كانوا أنجيه، يريد قوماً ناموا على رواحلهم فرأوا في منامهم كأنهم يتناجون. والصواب عندي ما قدمته.
ألم تر أن المرء رهن منيةٍ ... صريعٌ لعافي الطير أو سوف يرمس
فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتةٍ ... وموتن بها حراً وجلدك أملس