لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى معنى الإنكار الذي يجري مجرى النفي، يقول: أي خيرٍ في مالٍ لا يصون صاحبه من ذمٍ وعارٍ، ولا يحميه من لحقوق تهجننٍ وشنارٍ؟ وأي شيء غناء نفس لا يبتذلها صاحبها في استيفاء حقوقها، ولا يتعبها في الدفاع دون حقائقها؟ وهذا الكلام تبرؤٌ من التحمد بما كان منه من إنفاق المال، وابتذال النفس. ومثله قول الآخر:
ويبتذل النفس المصونة طائعاً ... إذا ما رأى حقاً عليه ابتذالها
وقال:
ذهبتم فلذتم بالأمير وقلتم ... تركنا أحاديثاً ولحماً موضعا
يخاطب قومه ويلومهم على ما كان منهم من القعود عن نصرته، والنكوص عن مشايعته، واعتلالهم عند اعتذارهم من ذلك بالمعاذير المشوبة بالكذب، التجأتم إلى الأمير وقلتم تركنا قومنا يقولون ولا يفعلون، وعند تسلط الأعداء عليهم لا يمتنعون منهم ولا يدافعون، فهم كاللحم المبضع على خوان الجزارن تمتد الأيدي على توضعه إليه، وتتعلق الأطماع بتناوله وأخذه. ويكون هذا كقول الآخر:
رضوا بصفات ما عدموه جهلاً ... وحسن القول من حسن الفعال
هذا إذا رويت " تركنا " بفتح التاء، وإن رويت بضم التاء كان المعنى: ادعيتم علينا فيما نابنا، وعندما هممتم به من مفارقتنا وخذلاننا، أنا تركنا أحدوثةً للناس قبيحةً، يقومون ويقعدون بذكرنا، وأذلاء مهتضمين لا دفاع بنا، ولا امتناع من مذمةٍ في طباعنا. والموضع: المقطع المفرق في مواضع.
فما زادني إلا سناءً ورفعة ... وما زادكم في الناس إلا تخضعا
يقول: لم يزدني فعلكم وقولكم عند اعتلالكم في مفارقتكم إلا ارتفاع محلٍ، وسمو حالٍ، وجلالة قدرٍ، ولم يزدكم في الناس إلا تراجعاً وتذللاً، وتصوراً بالقبيح وتسقطاً، لأن من لا يصلح لعشيرته وأقربيه، وفصيلته وذويه، لم يسكن إليه البعيد الذي يؤويه، والمستعان به لما يرتجيه.
فما نفرت جنى والفل مبردي ... ولا أصبحت طيري من الخوف وقعاً