وهذا يحتمل وجوها: يجوز أن يريد لم ينخزل لما أتيتم وأخبرتم أصحابي الذين هم كالجن، ولا فل لساني الذي هو كالمبرد، ولا ذعر جأشي فصار طيرى واقعةً. ويكون الأول كقول الآخر:

عليهن فتيانٌ كجنة عبقر

وتشبيه اللسان بالمبرد وحد السيف أكثر من أن يحتاج له إلى شاهد. وقد قيل في " نفرت جني " إنه مثل لفلتاته وبدراته، ويكون هذا كما وصف امرؤ القيس فرسه بالمرح وحدة القلب فقال:

به طائفٌ من جنةٍ غيرٍ معقب

وإن ذكره المبرد مثلٌ لصلاحه، وإن ذكره الطير مثلٌ لصيته وذكره الذاهب في الناس. ويجوز في هذا الوجه أن يريد به ذكاءه ونشاطه وشهامته، فقد قيل في ضده: هو ساكن الطائر، وكأن على رءوسهم الطير. ويجوز أن يشير بالجن إلى ما يدعيه الشعراء من أن لكل واحدٍ منهم تابعاً من الجن يستعين به فيما يجز به، ويجعل المراد بالمبرد في هذا الوجه اللسان لا غير. ويجوز أن يريد بالطير سراياه وطوائف خيله التي يطيرها للغارات والارتباء، وتجسس الأخبار وغيرها.

وقال حريث بن جابرٍ

لعمرك ما أنصفتني حين سمتني ... هو الشمع المولي وأن لا هوى ليا

العمر والعمر لغتان، ولا يستعمل في القسم إلا بفتحي العين. وأنصفتني: أعطينني النصفة والنصف. ويقال انتصفت من فلانٍ، أي استوفيت حقي منه كاملاً حتى صرت أنا وهو على النصف سواءً. ومعنى سمتني: جشمتني خطةً من الشر. ويقال أيضاً: سام فلانٌ فلاناً، إذا داوم علي وألح في شيءٍ. يقول: وبقائك ما أعطيتني النصفة حين عرضت على الرضا بأن يكون لك هوىً مع مولاك، حتى تنتقم له وتذب دونه، وألا يكون لي هوىً مع مولاي وأخلى بينه وبين أعدائه. قوله " وأن لا هوى ليا " أراد: وأنه لا هوى ليا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015