وهو:
والصبر بالأرواح يعرف فضله ... صبر الملوك وليس بالأجسام
وقال:
ألم تريا أني حميت حقيقتي ... وباشرت حد الموت والموت دونها
الحقيقة: الخصلة التي يحق على الإنسان حمايتها. وقال الخليل: الحقيقة: ما يصير إليه حق الأمر ووجوبه. وقوله " ألم تريا " تقريرٌ للغير على ما كان من بلائه. يقول: ألم تعلما أني ذببت عما يجب على الذَّبُّ عنه، وباشرت الموت بنفسي، والموت دون حماية الحقيقة. يريد أن المحافظة على الشرف أشق من اقتحام الموت والاستقتال، لأنه يحتاج أن يصبر فيه من المكاره على ما لا يحد ولا يحصر، ويتكلف له من المشاق ما لا يعد ولا يضبط. فهذا وجه. والضمير من قوله " دونها " يرجع إلى ما دل عليه حميت من الحماية والحفظ. ويجوز أن يكون قوله " والموت دونها " أي قريبٌ من الحقيقة التي دفعت عنها أو من الحماية التي التزومتها، وحائلٌ بيني وبينها، ويكون هذا بياناً لكيفية مباشرته لحد الموت ومشافهته إياه على سمت القرب، والواو من قوله " والموت " واو الحال. وإذا جعلت المعنى الأول فيكون الكلام بياناً لتفضيل حماية الحقائق على مباشرة المنايا.
وجدت بنفسٍ لا يجاد بمثلها ... وقلت اطمئني حين ساءت ظنونها
يصف ابتذاله نفسه فيما تعناه على حاجةٍ من العشيرة إلى بقائها، وحلولها من القلوب محل ما يضن بها، فيوجب صيانتها. يقول: تسخيت بنفس لا يتسخى بمثلها كرماً وعزةً، وشرفاً وأبهةً، وقلت تثبيتاً لها: اسكني واصبري عند استيلاء الرعب عليها، واختلاف الظنون بها. وهذه إشارةٌ إلى ما يلحق النفس في الأول من الالتقاء، للوهلة العارضة، والفجعة المروعة. ومثله:
أقول لنفسي حين خود رألها ... مكانك لما تفقي حين مشفق
وما خير مالٍ لا يقي الذم ربه ... ونفس امرئٍ في حقها لا يهينها