لو صارت أجراماً لعجز عن النهوض بها وتحملها البعران. فإن قيل: إذا كان قصده في تحمل الأثقال إلى قرى الضيف، ونحر الجزور وقسمتها في المسير، والصبر على المؤن، والنهوض بالكلف، فكيف قال حمالان من الثقل ما لا يستطيع الأباعر؟ وكيف مثل ما يثقل على القلوب من الغرامات والحقوق، بالأوفار التي تثقل على الظهور؟ قلت: إنما يريد أن تلك المؤن والتكاليف التي يلتزمها، ويسعى بها وفيها، لو جسمت ثم حملت، لكانت الجمال لا تستقل بها، ولا تقوى عليها، فهذا وجهٌ. ويجوز أن يكون لما قال حمالان في كل شتوةٍ من الثقل، جعل لفقه ما لا تستطيع الأباعر، إذ كانت الجمال وأشباهها هي التي لحمل الأثقال خلقت، وبها اشتهرت، وليكون في اللفظ توافقٌ، مع الأمن من عارض الالتباس. ويكون هذا كما قال غيره:

ألا هلك امرؤٌ ظلت عليه ... بجنب عنيزةٍ بقرٌ هجود

سمعن بموته فظللن نوحاً ... قياماً ما يحل لهن عود

ألا ترى أنه لما كان قد كنى عن النساء بقوله " بقرٌ هجود " عبر عن إمساكهن عن الطعام تحزناً بقوله " ما يحل لهن عود " إذ كانت البقر وما يجانسها من البهائم تعتلف العود وما يكون كالعود. وليس ذلك إلا لطلب الموافقة في اللفظ، مع الأمن من اللبس. فأما قول لبيدٍ:

فإذا جوزيت قرضاً فاجزه ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل

فمعناه إنما يعرف النعم وما يجب لها من شكر المنعم أرباب العقول وذوو التمييز، لا البهائم. فمتى أزلت إليك نعمةٌ فكن من المجازاة عليها بمرصدٍ، فإن معرفة ذلك والأخذ به من تمام العقل، ويوحبه المميزون وأولو الحجى، لا غيرهم مما لا تمييز له، ولا معرفة بذلك عنده. وذكر الجمل مكتفياً وإن كان القصد جنسه أو أجناس مثله. وفي طريقة ما نحن فيه قول أبي تمام إلا أنه فصل بين المنزلتين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015