يقول: ومن ارتبط الحمر واقتناها، وكان عيشه منها، فإنا أرباب الغزو، وآلاتنا رماحٌ طوالٌ، وخيلٌ رائقة عناقٌ. والجحش من أولاد الحمر كالمهر في الخيل، والجمع الجحاش والجحشة. والسلب: الطوال، والواحد سلوبٌ.
وكن إذا أغرن على جنابٍ ... وأعوزهن نهبٌ حيث كانا
يقال: عوز الرجل كذا عوزاً، مثل عدم، وأعوزه الدهر؛ أفقره. وأعوز الرجل: ساءت حاله، وهذا لا يتعدى. يقول: كانت هذه الخيل إذا أغارت على ما حولها من القبائل فبددت شملها، وخوفت آمنها، وصارت تأخذ حذرها، وتتقيها بالبعد عنها؛ حتى أعوزها النهب حيث كان النهب، لمعاودتهم الغارة وقتاً وبعد وقتٍ، وإدامتهم إياها، وإلحاحهم بها. وقوله " إذا أغرن " ظرفٌ لقوله أغرن من البيت الذي يليه، وهو جوابٌ له، والجملة خبر كن.
أغرن من الضباب على حلولٍ ... وضبة إنه من حان حانا
وأحياناً على بكرٍ أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا
الضباب يشتمل على ضبة وضبيبٍ، وحسلٍ وحسيل، فلذلك سموا الضباب. يقول: أغارت على أقاربهم وعلى الحلات النازلة حولهم وفيهم، لأن من قدر له الحين فقد أدركه. والمعنى: إنهم لا عتيادهم الغارة لا يصبرون عنها، حتى إذا أعوزهم الأباعد عطفوا على الأقارب. ألا ترى أنه تمم ذلك بقوله:
وأحياناً على بكرٍ أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا
وقوله: " إنه من حان حانا " يسمى الالتفات، كأنه التفت إلى إنسانٍ فقال: إنه من هلك بغزونا فقد هلك. وقوله " على بكرٍ " تعلق بفعلٍ مضمرٍ دل عليه ما تقدم فيما قبله، كأنه قال: وأحياناً أغرن على بكر.
أرى أم سهلٍ ما تزال تفجع ... تلوم وما أدري علام توجع
يقول: أرى هذه المرأة تتفجع تارةً وتتوجع أخرى، تعتب على وتلوم، وما أدري من أي شيءٍ شكواها، وفي أمرٍ توجه على عتبها، لأني لا أتعاطى منكراً فاستحق به ذلك: وقد مر الكلام في علام وأشباهه. وقوله: " ما زال " يريد به اتصال تلك الحالة منها، لأن ما زال الدوام الماضي، وما يزال هو مستقبل ما زال، فيصير