لا متداد الحال. فإن قيل: أليس زال ضد دام فكيف يفيد وهو للنفي معنى الدوام؟ قلت لما دخل ما النافية عليه تغير معناه إلى الإيجاب، لأن نفي النفي إيجاب، فعاد إلى معنى الدوام. وقوله: " تلوم " في موضع الحال، أي تفجع لائمةً، وقوله: " ما أدري علام "، يريد وما أدري ما يقتضي هذا السؤال.
تلوم على أن أعطي الورد لقحةً ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
يقول: تعيب علي في إيثاري فرسي الورد بلبن لقحتي - وهي الناقة التي بها لبنٌ - وما تستوي هي مع الورد ساعة الفزع ووقت الغارة. وقوله " الورد " منصوب على أنه مفعولٌ معه. يريد: لا تستوي هي مع الورد. ولو أراد ما تستوي هي وما يستوي الورد لم يكن يجوز إلا الرفع، والعامل في هذا المعمول لا يعمل بتوسط الواو بينهما. وإذا أردت تجريد الفعل على ما يدل عليه قوله تستوي، يكون تقديره إذا أظهرته عاملاً فيه: وما تساوى الورد. وعلى هذا قولهم: استوى الماء والخشبة لأن المعنى ساوى الماء الخشبة. فإن قيل: كيف قال ولا أدري علام نوجع، ثم أتبعه بقوله تلوم على أن أعطي الورد لقحةً، وهل كذب نفسه؟ فالجواب أن قوله ما أدري إنكارٌ وتفظيعٌ للشأن، والمتضجر بالشيء يقول ذلك وإن كان عالماً. وروى بعضهم " والورد " بالرفع وكان الأجود أن يقول: وما تستوي هي والورد، لأن عطف الظاهر على المضمر المرفوع ضعيفٌ حتى يؤكد. ويكون المعنى: وما تستوي أم سهلٍ وفرسي في ذلك الوقت، لاختلاف غنائهما، ولأن قصارى تلك الهرب والدهش، وغناء فرسي كونه عدةً للدفاع والذب. والأول أجود وأفصح وأسلم.
إذا هي قامت حاسراً مشمعلةً ... نخيب الفؤاد رأسها ما تقنع
هذا بيان الحال ساعة الفزع، وموضع إذا نصبٌ على أنه بدلٌ من ساعة تفزع، ويكون على ذلك قوله " هنالك يجزيني الذي كنت أصنع " من البيت الذي يليه منقطعاً، وإن كان بيان علة إيثاره باللبن وانتفاء المساواة بينه وبن المرأة. والمعنى: وما تساوي هذه المرأة الفرس إذا هي قامت بلا قناعٍ، جادةً في العدو، منخوبة القلب، طائرة اللب، لا خمار عليها ولا قناع، لدهشها في احتمارها، وذهابها عن عادتها وإلفها. وقوله " مشمعلةً " أي جادةً في العدو. وانتصب " رأسها " لأنه مفعولٌ مقدمٌ. ويجوز أن