أكل خميس اخطأ الغنم مرة ... وصادف حياً دائناً هو سائقه
قوله غير ما قال قائل، يجوز أن يكون صفة لنساء. وقوله غنيمة سوء يرتفع على أن يكون خبر مبتدأ، كأنه قال: هن غنيمة سوء، حكاية لكلام القائل الذي ذكره. وإضافة الغنيمة إلى السوء يكون على طريق الإزراء والاستحقار. وقوله وسطهن مهارقه، الجملة في موضع خبر إن، فيكون المعنى إن نساء مخالفة صفتها لما قاله قائل، يعني من حسن في عين الملك الإيقاع بهن هن غنيمة سوء معهن كتب العهد والذمة اللذين يخرجن بهما عن كونهن غنيمة. فهذا وجه، ويجوز أن يكون غنيمة سوء خبر إن، ووسطهن مهارقه من صفة النساء، وقد فصل بين الصفة والموصوف بخبر إن، وغير ما قال قائل ينتصب على المصدر، فيكون مؤكداً للقصة، والتقدير: إن نساء وسطهن مهارقه غنيمة سوء، غير قول القائل المحسن الإيقاع بهن. ويجري هذا مجرى قولهم: هذا ولا زعماتك. أي هذا هو الحق لا ما تزعمه. ويكون المعنى: إن نساء معهن عهدك، ولا أقول ما قاله قائل حسن الإيقاع بهن، غنيمة سوء لا غنيمة صدق. والمهارق: جمع المهرق، وهو فارسية معربة. وكانت العرب تصقل الثياب البيض وتكتب فيها كتب العهود وما أرادوا إبقاءه على الدهر، وقوله ولو نيل في عهد لنا لحم أرنب وفينا يقبح عنده ما ارتكبه منهن. فيقول: ولو أصيب لحم أرنب فيما تشعله أذمتنا لوفينا به. ثم أنت أيها الملك تغالق هذا العهد، وتستجيز تخطيه، وتستحسن نقضه وترك الوفاء به. وقوله لحم أرنب ذكره تحقيراً وأنه صيد مستباح.
وقوله أنت مغالقة لك أن تروى معالقة بالعين. والمعنى: وهذا العهد الذي معهن متعلق بذمتك وفي رقبتك حتى تخرج منه. ومن روى مغالقه بالغين معجمة، يكون من غلق الرهن، أي أنت مفسده ومحتسبه تاركاً للوفاء به. وقوله أكل خميس لفظه استفهام ومعناه تقريع. فيقول: أكل جيش أخفق في وجه قدر الغنم فيه، وصادف في منصرفه حياً في طاعته يسوقه ويوقع به. أي إن ذلك غير مستجاز في السياسة والديانة، ولا مستحسن في المروءة؛ والغدر مغبته ذميمة، وعاقبته قبيحة دميمة.