التوديع جمعك وإياه فيه. ويكتفي في هذا الوجه بالضمير العائد من تفارقه، فأما إضمار فيه في تفارقه فلا بد منه. وقوله من وقد كرره في البيتين جميعاً مراراً، يجوز أن يكون بمعنى الذي، والجمل بعده في صلته، كأنه قال: حي الذي أنت عاشقه والذي أنت مشتاق إليه وشائقه والذي أنت كذا. ويجوز أن يكون نكرة في معنى إنسان، ويكون الجمل بعده صفات له. يريد: حي إنساناً هذه صفاته. فأما تكريره له فهو على طريق التعظيم والتفخيم. وهكذا العادة فيما يهول أمره من مرجو أو مخوف.

نخب بصحراء النوية ناقتي ... كعدو رباع قد أمخت نواهقه

إلى المنذر الخير بن هند نزوره ... وليس من الفوت الذي هو سابقه

يقول: تسير ناقتي الخبب - وهو ضرب من العدو - في هذه الصحراء تحتي، عدو فرس، أو عير قد أربع. والإرباع بينه وبين القروح سنة، فكأنه أراد استحكام شبابه وقوته، إذ ليس بينه وبين النهاية وهي القروح إلا سنة. ومعنى أمخت نواهقه أي قد أطاعه العلف أو المرتع فصار لعظامه مخ، والنواهق: عظمان في الساق، وفي غير هذا المكان مايكتنف الخاشم من الدابة، والواحدة ناهقة.

وقوله إلى المنذر تعلق بتخب والخير من صفته، وهو الذي تأنيثه خيره. ولا يمتنع أن يكون مخففاً من الخير، كما يقال لين ولين، وهين وهين. ونزور في موضع الحال، ويريد المنذر بن ماء السماء. وقوله وليس من الفوت الذي هو سابقه أراد سابق به، وفي الكلام وعيد.

ولهذا الشعر قصته، وهو أن الملك كان غزا أرضاً فأخفق، وفي منصرفه عثر بطائفة من طيىء كانوا في ذمته وعهده، فأراد تجاوزهم فقال بعض ندمائه له: استغنمهم وأوقع بهم. فقال: إنهم في ذمتي! فلم يزل يقرب الأمر فيه معه حتى استباحهم. لذلك توعد فقال: ما سبق به لا يفوت تداركه.

فإن نساء غير ما قال قائل ... غنيمة سوء وسطهن مهارقه

ولو نيل في عهد لنا لحم أرنب ... وفينا وهذا العهد أنت مغالقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015