وكنا أناساً دائنين بغبطة ... يسيل بنا تلع الملا وأبارقه
فأقسمت لا أحتل إلا بصهوة ... حرام عليك رمله وشقائقه
قوله دائنين، أي آخذين بالطاعة، مغتبطين بما لنا من الذمة. ويكون بغطبة في موضع الحال. وروى: دائبين، وهو أقرب، ويكون من الدؤوب. والمعنى إنا كنا نسير مغتبطين آمنين فرحين حيث شئنا. ويدل على هذا قوله يسيل بنا تلع الملا وأبارقه. وإنما يقتص حالهم قبل معاهدته لهم، ومعاقدته الذمة بينه وبينهم. والملا: الصحراء. والتلعة: مسيل ماء، وجمعها تلع، كجوزة وجوز. والأبارق: جمع الأبرق، وهي المواضع التي قد ألبست حجارة سوداً. ومنه حبل أبرق، إذا كان ذا لونين سوداً وبياض. وقوله لا أحتل إلا بصهوة، يقول: حلفت لا انزل إلا بعيداً من أرضك، وخارجاً من ملكتك، في صهوة أو في مكان عال تحرم عليك جوانبه وآفاقه. والشقائق: جمع شقيقة، وهي رملة بين أرضين. ورمله ترتفع بحرام، أي يحرم عليك. ولك أن تروى حرام عليك رمله فيكون خبراً مقدماً، ورمله مبتدأ، والجملة في موضع الصفة للصهوة.
حلفت بهدي مشعر بكراته ... تخب بصحراء الغبيط درادقه
لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه
يقول: أقسمت بقرابين الحرم وقد اعلمت لكراته بعلامات الإهداء. والإشعار، هو أن يطعن في أسنتها فيسيل الدم الدم عليها، فيستدل بذلك على كونه هدياً. وجعل الهدى دالاً على الجنس وما بعده صفته. وقوله تخب بصحراء الغبيط درداقه، يريد سوقها نحو البيت. والدرداق: صغار الإبل. والخبب: ضرب من السير. وجواب القسم لأنتحين للعظم، والئن فيها بين القسم والمقسم له موطئة للقسم. فيقول: آليت إن لم تغير أيها الملك بعض صنيعك، ولم تتدارك ما فاتنا من عدلك ووفائك، لأقصدن في مقاتلتك كسر العظم الذي صرت أعرفه فينتزع العظم منه. جعل تقبيحه لما أتاه وشكواه كالعرق، وهو انتزاع اللحم وما بعده، إن لم يغير معاملته، تأثيراً في العظم نفسه. وقد أحسن في التوعد، وفي الكناية عن فعله وعما يهم به بعده. وقوله