لم تدع الضيف بشيء من ذلك، فلذلك قال بغير اسم، أي بغير اسم يدعى به مثله. يجوز أن يكون قال ذلك لأن دعوتها لم تكن بكلام، وإنما كان علامة واستدلالا، كما أن الإجابة كانت قصداً وإسراء. وكذلك قوله هلم إلى القرى من ذلك، لأن النار لم تتكلم بهذا الكلام. وهلم يجوز أن يكون أصله هاء التتنبيه ولم فعل، وعلى هذا يثنى ويجمع. ويجوز أن يكون اسماً للفعل، وحينئذ لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وهذا أفصح اللغتين. وفي القرآن: " يقولون لإخوانهم هلم إلينا ". وقوله أسرى، يقال سرى وأسرى بمعنى. ويبوع الأرض أي يقطعها بخو واسع وحركة سريعة. يقال: بعت الشيء أبوع بوعاً في هذا. وفرس بيع: واسع الخطو. وكما استعمل البوع في هذا استعمل الذرع أيضاً. ومنه قيل ناقة ذرعة، إذا كانت واسعة الخطو. وقوله والنار تزهر الواو واو الحال، وتزهر أي تضيء في صعود. وقوله فلما أصاءت شخصه قلت مرحبا، أي لما دنا مني وتراءى لي شخصه بضوء النار تلقيته بالترحيب والاستدناء، وقلت لمن حول النار من اصطلين ومن الأهل والخول: استبشروا بالضيف فقد طرق، وبمرادنا فإنه حصل. ويقال صليت بالنار، أي دنوت منها، أصلي صلياً. وقوله: مرحباً، هلم: كلامان، ولم يتوسطهما العاطف، لأن مرحباً تسليم عليه، وهلم أمر بالدنو، فكأنه استانف هذا الكلام بعد التسليم بهذا الكلام، ولم يجمعهما اللفظ به في حالة واحدة.
فجاء ومحمود القرى يستفزه ... إليها وداعي الليل بالصبح يصفر
تأخرت حتى لم تكد تصطفي القرى ... على اهله والحق لا يتأخر
يقول: جاء الضيف وما هيىء له من القرى المحمود يجتذبه ويهديه إلى النار الموقدة والديك يصفر مؤذناً بإصباح الليل. وإنما قال ومحمود القرى لأن طعام الكرام لا يستنكف منه، ويستطيبه كل متناول ويستمرئه، كما يستكرم المثوى عندهم كل نازل بهم.
وقوله تأخرت استبطاء من القاري للضيف. والمراد أنك تأخرت عن أول الليل حتى كأنك لم تكد تطلب اختيار صفو القرى على النازلين، ونحن وإن فعلت