لأحبني حب الصبي ورمني ... رم الهدي إلى الغنى الواجد
ولقد نضحت مليلتي فتميثت ... عن آل عتاب بماء بارد
يقول: إن رمت القيام بواجب سعى علقمة لي، وأديت المفروض لحسن بلائه عندي، لم أقابله على صنيعة واحدة، ولا جازيته لبلاء معمة فاردة، لأن أياديه عندي كثيرة متظاهرة، وآلاءه لدى متواترة متناصرة، فوالله لقد أحبتني كما يحب الصبي، وأصلح من أموري ما يصلح من شأن العروس إذا زفت إلى الموسر الغنى، فتضاعف مؤنها، وتزايد التكاليف في هدائها وتحويلها. فقوله لأحبني، اللام جواب يمين مضمرة، وغنما قال: حب الصبي لأنه يخلط بمحبته زيادة الشفقة، وكفالة الترفرف عليه والمرحمة.
وسئل بعض حكماء العرب عن أحب أولاده إليه فقال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والعليل حتى يبرأ. وإذا تأملت وجدت حال الغائب والعليل كحال الصغير فيما ذكرت، فلذلك جمعها في قرن الذكر. وقوله: ولقد نضحت مليلتي يريد. ولقد رششت غليلي من آل عتاب وما امتله نار وجدي من أحشائي وصدري بماء بارد، فكنت وزال حميمها، حتى كأنها لم تكن. وإنما قال ذلك لأن آل عتاب كانوا وتروه فاشتد برح حميه واتسع قرح وتره، فأعانه على إدراك الثأر علقمة بن سيف، وشفاه من دائه. وإذا تؤمل ما عدده من أياديه لديه حصل فيه الميل والإكرام، والبر والإنعام، وإصلاح الحال، والمؤاساة بالمال، والشفاء من الداء، والانتقام من الأعداء، وذلك مالا مزيد عليه. ومعنى تميثت تذللت وتذوبت. ويقال: ميثت الشيء، إذا مرسته. والنضخ بالخاء المعجة ابلغ من النضح.