يقول: إني سأنشر آلاء عمرو ونعمه عندي إن نفس من عمري، وتراخت غاية المقدار من منيتي، فإنها صافية من المن والأذى على جلالتها وفخامتها. وقوله لم تمنن يجوز أن يكون المراد ولم تقطع وإن عظمت، وقال ذلك لأن الأيادي السنية لا تكاد تتناسق. ويقال: حبل منين وممنون. وفي القرآن: " لهم أجر غير ممنون ". ويجوز أن يكون المراد به لم يخلط بمن.
وقوله فتى غير محجوب الغنى، أخذ يصفه. وارتفع فتى على أنه خبر مبتدأ محذوف، والمعنى هو يشرك صديقه في غناه مدة مساعدة الزمان له، فإن تولى الأمر وزلت النعل تراه لا يتشكى ولا يتألم. وهذا مثل قول الآخر:
أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه
ويقال في الكناية عن نزول الشر وامتحان المرء: زلت القدم به، كما يقال: زات النعل به.
وقوله رأى خلتي من حيث يخفى مكانها زائد على ما تقدم من قول ابن عنقاء الفزارى، وهو:
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر
وذاك لأن هذا قال: رأى خلتي من حيث يخفى مكانها، فكأنه أدرك الحال، من طريق الاستدلال، والاهتمام المبعوث من جودة التفطن، وإن كان صاحبه يتعفف عن السؤال ويتجمل، وابن عنقاء شاهد الحال عياناً، فاشتكى إلى ماله سراً وجهراً، وقال هذا بإزاء الاشتكاء: فكانت قذى عينيه، أي من حسن الاهتمام ما جعله كالداء الملازم له، حتى تلاقاه بالإصلاح، وإذا كان كذلك فموضع الزيادة في كلامه وقصده ظاهر.
آخر:
إن أجز علقمة بن سيف سعيه ... لا أجزه ببلاء يوم واحد