لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
يقول: تباطأ سعيك للمجد، ولما سعيت كان سعيك دبيباً وطلاب المجد قد جهدوا أنفسهم، وألقوا الأزر دونه، تخفيفاً عن أنفسهم، وتشهيراً في طلبهم وهذا مثل. والمراد أن ما يفعله الساعي في سعيه إذا طلب شيئاً من التجرد والتخفف ليدرك مطلوبه قد فعلوه. ثم اخذ يفصل مجهودهم من بعد، فقال: كابروا والمجد، أي جاهدوه ليبلغوا قسراً لا ختلاً، فمن صبر وأوفى ناله واحتواه ظافراً به، معانقاً له، ومن مل وقصر - وهم الأكثر - خاب وأخفق ورجع نادماً لاهياً عنه. وقوله لا تحسب المجد تقريع، والمراد: لا تظنن المجد يدرك بالسعي القصير، واستعمال التعذير، وعلى ملازمة الراحة دون توطين النفس على الكد الشديد والمجاهدة؛ فإنه لن ينال إلا بتجرع المرارات دونه، واقتحام المعاطب بسببه. ويقال: لعقت الصبر لعقاً. واسم ما يلعق هو اللعوق.
وقال آخر:
ومستعجل بالحرب والسلم حظه ... تلما استثيرت كل عنها محافره
وحارب فيها بامرىء حين شمرت ... من القوم معجاز لئيم مكاسره
فأعطى الذي يعطى الذليل ولم يكن ... له سعى صدق قدمته أكابره
يقال: استعجل بالشيء، إذا طلب عجلته ولم يصبر إلى وقته وإياه. فيقول: رب امرىء يعجلك في هيج الحرب له، ونصب الشر بينك وبينه، فتراه يرتقي في الإيذاء والمكاشفة إلى أعلى درجات القصد، وحظه في أن يسالم، لكنه بسوء تأتيه ونقص اختياره، أبى لنفسه إلا تعريضها لما يستوخم عاقبته، ويتعجل شره، فلما هيجت الحرب له وأجيب في إثارتها، وإيقاد نائرتها، إلى مراده منها، عجز فيها عن الإيفاء والاستيفاء، وكل عن مباشرة الورد والصدر، واستعان فيها برجل ركاب لرواحل العجز، لئيم المكسر والمختبر، ضيق العطن والمبرك، ويعني به نفسه، وهذا كما يقال: لقيتني لقيت بي قرناً باسلاً. ويعني بالقرن نفسه. وقوله حين شمرت يريد حين كشفت الحرب عن ساقها، وأبدت أعجازها وهوادبها، ففعل فعل الذليل، وأعطى من الانقياد ما يعطيه الضعيف الفريد، ولم يكن سعيه سعياً مصدوقاً فيه، ولا وقوفه وإمساكه إمساكاً يعذر له، فتراه عند الأماثل من جملة الأراذل، وعند طلاب الخير مقتحماً في الشر. ومعنى قدمته أكابره أسلافه وأماثل قومه.