وقوله فقد علموا يستشهد بالضيفان فيقول: حضروا وتيقنوا أني وفيت لربها بمثلها وزدته أخرى، فراح راكباً إحداهما وقائداً الأخرى معها. ثم اقتص ما دعاه إليه فقال: قريت الكلابي المبتغي للقرى وقريت أمك، يعني أم خنزر بن أفرم المعير المنكر. والخدى: ضرب من السير. والقعود: البكر إذا بلغ الإثناء؛ والذي يقتعده الراعي فيركبه ويحمل زاده عليه قعود أيضاً. وفي ذكر الأم وأنه أضافها مع الكلابي بعض الغض والإيهام.
رفعنا لها ناراً تثقب للقرى ... ولقحة أضياف طويلاً ركودها
إذا أخليت عود الهشيمة أرزمت ... جوانبها حتى نبيت نذودها
إذا نصبت للطارقين حسبتها ... نعامة حرباء تقاصر جيدها
ويروى: رفعنا لها مشبوبة يهتدي بها. ومعنى تثقب تذكي وتضاء. وقيل: الكوكب الثاقب والحسب الثاقب، للضوء والتلألؤ. ومعنى للقرى الإقامة القرى، واللقحة يراد به القدر هاهنا، وأصله في الناقة الحلوب. وجعل ركودها طويلاً لثقلها وكبرها، ولأنها لا تنزل إلا للغسل ثم تعاد والجفنة الركود: الثقيلة الممتلئة. وقوله إذا أخليت أي جعل الحطب لها بمنزلة الولد، فهو لها كالولد، وهي له كالناقة الخلية، وهي التي تعطف على ولدها وترأمه. والهشيمة: اليابس من الشجر وغيره. وأرزمت: صاحت بغليانها، لكبرها، حتى نبيت نسكن منها. وإذا نصبت على الأثافي لزوار الليل - يعني الأضياف - حسبتها لإشرافها نعامة حزباء. والحزباء: الأرض الصلبة المرتفعة: شبد القدر بالنعامة، لأنها تكثر رفع رأسها ووضعه، لجبنها ونفورها، فكذلك القدر ترفع المحال وتخفضها، لشدة غليانها. وقال: تقاصر جيدها ليتبين وجه التشبيه منه ويصح. ومثله قول الآخر:
غضوب كحيزوم النعامة احمشت
تبيت المحال الغر في حجراتها ... شكارى مراها ماؤها وحديدها
بعثنا إليها المنزلين فحاولا ... لكي ينزلاها وهي حام حيودها