فالشرط الأول قوله إن شئت فاقطعني كما قطع السلا وهذا يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد إن شئت خصني بقطيعة لا وصال يتعقبها، كما أن السلا، وهو الجلدة التي يلتف فيها الولد عند خروجه من بطن أمه، إذا قطع عنه لم يعد إليه. ويجوز أن يكون المعنى: اقطعني قطيعة لا يرجى معها وصل؛ لأن السلا إذا انقطع في بطن الحامل لم يمكن استخراجه، ولا يرجي الخلاص معه. ولهذا ضرب المثل به في الشدائد فقيل: انقطع السلا في البطن. والمراد في هذه القطيعة المذكورة أن تبقى العلائق التي بينهما على ما حصلت وثبتت لا يغير منها شيء.
والشرط الثاني: وإن شئت أقبلنا بموسى رميضة، يقول: وإن شئت أخذ كل منا موسى محددة، فقطعنا بها الأواصر التي بيننا. وهذا مثل، والمعنى أن لنا الأسباب التي توصلنا بها فصارت مثل الأنساب، وحللنا عقد العرى الوثيقة فيما تواشجنا فيه حتى نصير كالأجانب لا وصل تجمعنا، ولا أواخي تنظمنا، إلا ما طوى البعاد بيننا من قرب الجوار والدار.
والشرط الثالث: ولإن قلت لا إلا التفرق بالأيدن معها، فيكون النوى مبددة شمائلنا، فلا نلتقي في شعب ومسلك، ولا نتحاذى في منزل ومجمع، ولا نتجاوز في محل ومقر، فإنا نبعد بعداً كما نختار؛ وأدام الله تفرقة النوى بيننا ولا جمع ما تشتت منها.
ويقال: سكين رميض: حاد. وكل حاد رميض، ومنه ارتمض من كذا، إذا اشتد عليه وأغضبه. وقوله فإني أرى عينك الجذع، يقول: إن العداوة بيننا رسختوثبتت واستحكمت من جهتك، فلا استبقاء معك، ولا صبر عللا أذى مضض منك، حتى تعجب لأدنى شيء يحول، وتستعظم أصغر ما يحدث ويدور، وأنا أرى الجذع يعترض في عينيك فلا أنكر، ولا أحاسب عليه ولا أضايق. وهذا كما يقال في المثل: " تبصر القذاة في عين أخيك، وتدع الجذع المعترض في حلقك ".