يقول: تمنيت أن يكون الذي حظيت بهمن عطائك لي أني علمت وأنا وراء الرمل ما أنت صانعه وقد قدمت عليك. فقوله وراء الرمل ظرف لعلمت، وأنني علمت خبر ليت، كأنه ود أن يكون بدل حظه من العطاء علمه بما يفعله، فكان اختياره بحسبه. ولا يجوز أن يكون وراء الرمل يتعلق بصانع، لأنك إن جعلت ما موصولاً فالصلة لا تتقدم هي على الموصول، ولا شيء مما يتعلق بها. وإن جعلت ما موصوفاً فالصفة لا تتقدم على الموصوف ولا ما يتعلق بها، وإن جعلت ما استفهاماً فما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله. وإذا كان كذلك ظهر فساد تعلقه به على الوجوه كلها، من طريق الإعراب ومن طريق المعنى، فالصحيح ما قدمته. ألا ترى أنه قال: فقد كان لي عما أرى متزحزح ومتسع. والمتزحزح: المبعد. أي كان لي جانب من الأرض واسع أتزحزح فيه عما أراه وأرد عليه، وكان لي هم طويل ممتد الشأو يذهب صعداً، إذا كان هم الجبس قصيراً. طلوع إلى أعالي العز وذراه إذا أعجز الرجال مطالع العز. والجبس هو الثقيل الجافي. أي يقصرهم نفسه فيرضي بالحاصل له. وقوله إذا مالجبس ظرف لما دل عليه هم، وإذا أعيا ظرف لطلوع. ولا يمتنع أن يكون إذا ما الجبس ظرفاً لطلوع، ويجعل إذا أعيا بدلاً منه؛ لأن المعنيين يتقاربان. والأول أقرب وأجود.
من مبلغ الحجاج عني رسالة ... فإن شئت فاقطعني كما قطع السلا
وإن شئت أقبلنا بموسى رميضة ... جميعاً فقطعنا بها عقد العرى
وإن قلت لا إلا التفرق والنوى ... فبعداً أدام الله تفرقة النوى
فإني أرى في عينك الجذع معرضاً ... وتعجب أن أبصرت في عيني القذى
هذه أبيات ذهب الناس من طريق الرواية والمعنى فيها مذاهب طريفة، والصحيح ما أورده. وذاك أنه رتب ما بينه وبين الحجاج مراتب ثلاثاً، خبره فيها بالشروط المبينة.