مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ نَظَرِ الْقَاضِي بَلْ مِنْ نَظَرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَظَرُهُ أَعَمُّ مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي وَلِذَا يَصِحُّ عَزْلُهُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَيُقَدَّمُ كَذَلِكَ وَيَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمُرُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ خَاصَّةٌ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ سَبَبٍ وَبِالْفِرَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ ذَكَرُوا لَهَا بَابًا مُسْتَقِلًّا وَالْقَاضِي قَاصِرٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِذَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَّصِفِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) الصِّفَةُ الْمُوجِبَةُ نُفُوذَ حُكْمِهِ هَلْ تُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ تُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَنْ بَعْدَهُ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ عُمُومُ الْوُجُوبِ لِثُبُوتِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ.
(فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ لَهُ عَزْلُ قَاضٍ لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَيَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ لِمُوجِبِ حُصُولِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَمْ لَا (قُلْتُ) أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ نَصُّوا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ فَلَا يَعْزِلُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا كَانَ لَهُ نَظَرٌ عَلَى قُضَاتِهِ فَلَا يَعْزِلُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَكَمَ الْقَاضِي وَلَمْ يَشْهَدْ بِحُكْمِهِ وَوَجَدَ بِخَطِّهِ ثُمَّ عَزَلَ أَوْ مَاتَ فَظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ وَالنَّصُّ خِلَافُهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (قُلْت) لَعَلَّهُ رَاعَى الْخِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ خَطَّهُ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِشْهَادَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَضَاءُ وِلَايَةٌ مُتَنَاوِلَةٌ لِلْحُكْمِ لَا يَنْدَرِجُ فِيهَا غَيْرُهُ وَقَالَ لَيْسَ لِلْقَاضِي فِي السِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ مَدْخَلٌ وَهَذَا كَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ السِّيَاسَةَ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ النَّظَرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ السِّيَاسَاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى النَّظَرَ فِي أَخَصَّ وَهُوَ عُمُومُهَا لَا فِي مُطْلَقِ شَيْءٍ مِنْهَا فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إنَّ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ هُوَ قَاضٍ إنَّمَا لَهُ إلْزَامُ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَأَمَّا نُفُوذُهُ فَلَا لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ فَإِلْزَامُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَالشَّيْخُ هُنَا قَدْ قَالَ نُفُوذُ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ (قُلْتُ) لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى إلْزَامِ نُفُوذِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ وَهُوَ مُتَقَرِّرٌ.
(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي الثُّبُوتِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا فَإِذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي رَسْمًا