والفرق بين النصب والرفع أنّك إذا رفعتَها فكأنّك ابتدأتَ شيئًا قد ثَبَتَ عندك واستقرّ، وفيها ذلك المعنى، أعني الدعاءَ، كما أنّ "حَسْبُكَ" فيه معنى النَّهْي، وإذا نصبتَ كنتَ تَرّجَّاه في حالِ حديثك، وتعمل في إثباته، فاعرفه.

فصل [الأسماء المنصوبة بأفعال مُضمرة]

قال صاحب الكتاب: "وقد تجري اسماء غير مصادر ذلك المجرى, وهي على ضربين: جواهر, نحو قولهم: تربًا وجندلاً, وفاهًا لفيك. وصفاتٌ, نحو قولهم: هنيئًا مريئًا, وعائذًا بك, وأقائمًا وقد قعد الناس, وأقاعدًا وقد سار الرَّكْبُ".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الأسماء على ضربَيْن؛ جواهرُ ومعانٍ. والمرادُ بالجواهر في عُرْفِ النحويّين الشُّخُوصُ, والأجسامُ المتشخِّصةُ، والمعانى هي المصادرُ كالعِلْم والقُدْرَة. فكما نصبوا أشياء من المصادر بفعل متروكٍ إظهارُه نحوَ ما تقدّم من نحوِ "سَقْيًا"، و"رَعْيًا"، و"حَنانَيْكَ"، و"لَبَّيْكَ"، وَ "وَيْلَهُ"، وَ "وَيْحَهُ" وما أشبهَ ذلك ممّا دُعي به من المصادر، فكذلك أجروا أشياء من الجواهر غيرِ المصادر مُجْراها، فنصبوها نَصْبَها على سبيلِ الدُّعاء.

وذلك نحوْ قولهم: "تُرْبًا لك، وجَنْدَلًا"، ومعناه: ألْزَمَك اللهُ أو أطْعَمَك اللهُ تُربًا، أي: تُرابًا، وجندلًا، أي: صَخْرًا. واختُزل الفعل ههنا, لأنّهم جعلوه بدلًا من قولك: "تَرِبَتْ يَداك وجُنْدِلَتْ"، فإن أدخلتَ "لَكَ" ههنا، وقلت: "تربًا لك وجندلًا لك" كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015