دخولُها كدخولها في "سَقْيًا لك" لبيانِ مَن تَعْنِي بالدعاء. فإن علِم الداعي أنَّه قد عُلم من يعني، جاز أن لا يأتي به لظُهوره، ورُبَّما جاء به مع العلم تأكيدًا، وإن لم يُعْلَم المعنى بالدعاء؛ فلا بدّ من الإتيان به، ورُبَّما رفعتِ العربُ هذا فقالوا: "تُرْبٌ له"، فَرفعُه بالابتداء، قال الشاعر [من الطويل]:
174 - لقد ألَّبَ الواشُون ألْبًا لِبَيْنِهم ... فتُرْبٌ لأفْواهِ الوُشاة وجَنْدَلُ
و"تُرْبٌ" مبتدأٌ، والخبرُ "لأفْواهِ الوُشاة"، وفيه معنى المنصوب في الدعاء كما كان في قولك: "سلامٌ عليك" معنى الدعاء.
وأمّا قولهم: "فاهَا لِفِيكَ"، فقد حكى أبو زيد: "فاها لفيك" بمعنَى "الخَيْبَةُ لك". وأنشد لرجلٍ من بَلْهجَيْم، وهو أبو سِدْرَةَ الأسَديُّ [من الطويل]:
175 - [تحسَّبَ هوّاسٌ وأيْقَنَ أَنَّني ... بها مُفْتدٍ من واحدٍ لا أُغامِرُه]
فقلتُ لَه: فَاهًا لِفِيكَ فإِنَّها ... قَلُوصُ امْرِىء قارِيكَ ما أنتَ حاذِرُهْ