قال الشارح: قد تقدّم القول: إن الشرط لا يكون إلَّا بالأفعال؛ لأنّك تُعلّق وجودَ غيرها على وجودها، والأسماءُ ثابتةٌ موجودةٌ ولا يصح تعليقُ وجودِ شيء على وجودها. ولذلك لا يلي حرفَ الشرط إلَّا الفعلُ، ويقبح أن يتقدّم الاسم فيه على الفعل، ويُفصَل بينهما بالاسم؛ لكَوْنها جازمةَ للفعلُ، والجازمُ يقبح أن يفصل بينه وبين ما عمل فيه، فلا يجوز "لم زيدٌ يأتك" على معنى "لم يأتِك زيد". وكذلك بقيّةُ الجوازم لا يفصل بينهما بشيء كالظرف ونحوِه، لأنّ الجازم في الأفعال نظيرُ الجارّ في الأسماء، كما لا يفصل بين الجارّ والمجرور بشيء إلَّا في الشعر، كذلك الجازمُ.

فأمّا "إنْ" خاصة، فلقُوّتها في بابها وعدم خروجها عن الشرط إلى غيره، تَوسّعوا فيها، فأجازوا فيها الفصل بالاسم، ولم يكنَ ذلك بأبعدَ من حذف فعل الشرط في قولهم: "المرءُ مقتولٌ بما قَتَلَ به إن خَنْجَرٌ فخنجزٌ". فإن كان بعدها فعلٌ ماضٍ في اللفظ لا تأثيرَ لها فيه، فالفصلُ حسنٌ، وجاز في الكلام وحالِ السَّعَة والاختيارِ، وشُبّهت بما ليس بعامل من الحروف نحوِ همزة الاستفهام.

وإن كان بعدها فعل مضارع مجزومٌ، قبُح تقدمُ الاسم إلَّا في الشعر؛ لأنّها قد جرت بعد الإعمال وظهوره مجرى "لَمْ"، و"لَمَّا" ونحوِهما من الجوازم. فكما لا تقول: "لم زيد يَقُم"، و"لم زيدًا أضرِبْ"، إلَّا في ضرورة الشعر، كذلك لا تقول: "إن زيدٌ يقمْ أقم" إلَّا في ضرورة الشعر. فعلى هذا تقول إذا وليها الفعلُ الماضي: "إن زيدٌ ركب ركبتُ". ومن كلامهم "إن الله أمكنني من فلان فعلتُ". وقال سبحانه وتعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (?)، وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (?)، وقال الشاعر [من البسيط]:

1182 - عاوِدْ هَراةَ وإنْ معمورُها خَرِبَا ... [وَأَسعدِ اليومَ مَشغُوفًا إِذا طَرِبا]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015