والثاني: أن يكون ما قبلها واوًا أو فاءً، فيجوز إعمالها وإلغاؤُها، وذلك قولك: "زيدٌ يقوم، وإذن يذهبُ"، فيجوز ها هنا الرفع والنصب باعتبارين مختلفَيْن: وذلك أنك إن عطفت، "وإذن يذهب" على "يقوم" الذي هو الخبر، ألغيتَ "إذن" من العمل، وصار بمنزلة الخبر، لأنّ ما عُطف على شيء صار واقعًا موقعه، فكأنّك قلت: "زيد إذن يذهبُ"، فيكون قد اعتمد ما بعدها على ما قبلها, لأنه خبر المبتدأ. وإن عطفته على الجملة الأولى كانت الواو كالمستأنَفة، وصار في حكم ابتداء كلام، فأُعمل لذلك، ونُصب به قال الله تعالى: {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} (?)، وفي قراءة ابن مسعود "وإذًا لا يلبثوا" بالنصب على ما ذكرنا، وقال تعالى: {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} (?).
وأمّا الحالة الثالثة: فأن تقع متوسّطة لا محالةَ، معتمِدًا ما بعدها على ما قبلها، أو كان الفعل فعلَ حال غيرِ مستقبل، وذلك في جواب من قال: "أنا أزورك": "أنا إذن أكرمُك"، فترفع هنا, لأنّ الفعل معتمد على المبتدأ الذي هو "أنا". وكذلك لو قلت: "إن تكرمْني إذن أكرمْك"، فتجزم لأنّ الفعل بعد "إذن" معتمد على حرف الشرط، وإنما أُلغيتْ في هذه الأحوال؛ لأنّ ما بعد "إذن" معتمد على ما قبلها، وما قبلها محتاج إلى ما بعدها، وهي لا تعمل إلَّا مبتدأة، ولا يصح أن تُقدَّر مبتدأةً لاعتمادِ ما بعدها على ما قبلها، وكانت ممّا قد يُلْغَى في حال، فأُلغيت هنا، فأمّا قول الشاعر [من الرجز]:
963 - لا تَتْرُكَنِّي فِيهِمُ شَطِيرَا ... إنِّي إذَنْ أهْلِكَ أو أطِيرَا